[الذكر بعد الصلاة]
الذكر بعد الصلاة له فوائد جمة فينبغي المحافظة عليه، ونطرق أذكاره عليه الصلاة والسلام عقب الصلاة كالتالي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يهلل دبر الصلاة -أي: يرفع صوته شيئاً- ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، عشر مرات على إثر المغرب بعث الله مسلحة يحفظونه من الشيطان حتى يصبح، وكتب الله له بها عشر حسنات موجبات، ومحى عنه عشر سيئات موبقات، وكانت له بعدل عشر رقاب مؤمنات).
وعنه صلى الله عليه وسلم أيضاً أنه قال: (من قال قبل أن ينصرف ويثني قدمه من صلاة المغرب والصبح: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، بيده الخير، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، عشر مرات، كتب له بكل واحدة عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات، ورفع له عشر درجات، وكانت حرزاً من كل مكروه، وحرزاً من الشيطان الرجيم، ولم يحل بذنب يدركه إلا الشرك، فكان من أفضل الناس عملاً، إلا رجلاً يفضله يقول أفضل مما قال).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من قال في دبر صلاة الغداة -أي: الفجر- لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير وهو على كل شيء قدير مائة مرة قبل أن يثني رجليه كان يومئذ أفضل أهل الأرض عملاً، إلا من قال مثل مقالته أو زاد على ما قال).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: (اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام).
وكان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)، والجد: الغنى والمال.
وكان يقول صلى الله عليه وسلم: (من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت).
وقال عقبة: (أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ المعوذات دبر كل صلاة) أي: أن يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:١] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} [الفلق:١] و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس:١].
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً وأوصاه فقال: (أوصيك يا معاذ! أن لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
وذكر في حديث طويل صلوات الله وسلامه عليه أن ربه سبحانه قال: (يا محمد! إذا صليت فقل: اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تتوب عليَّ، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون)، وفي زيادة: (أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلي حبك)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنها حق فادرسوها ثم تعلموها).
وقال صلى الله عليه وسلم: (من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، غفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر).
وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أحدثكم بأمر إن أخذتم به أدركتم من سبقكم، ولم يدرككم أحد بعدكم، وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيه إلا من عمل مثله، تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ثلاثاً وثلاثين).
وعن زيد بن ثابت قال: (أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، ويحمدوا ثلاثاً وثلاثين، ويكبروا أربعاً وثلاثين، فأتي رجل من الأنصار في منامه فقيل له: أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وتحمدوا ثلاثاً وثلاثين، وتكبروا أربعاً وثلاثين؟ قال: نعم، قال: فاجعلوها خمساً وعشرين، واجعلوا فيها التهليل، فلما أصبح أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال: اجعلوها كذلك).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وروى البخاري أن ابن عباس رضي الله عنهما أخبر أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس: كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته.
قال النووي رحمه الله: حمل الشافعي هذا الحديث على أنهم جهروا به وقتاً يسيراً لأجل تعليم صفة الذكر لا أنهم داوموا على الجهر به.
والمختار أن الإمام والمأموم يخفيان الذكر إلا إن احتيج إلى التعليم، وقال عياض: الظاهر أن ابن عباس لم يكن يحضر الجماعة؛ لأنه كان صغيراً ممن لا يواظب على ذلك ولا يلزم به، فكان يعرف انقضاء الصلاة بما ذكر.
وقال غيره: يحتمل أن يكون حاضراً في أواخر الصفوف، فكان لا يعرف انقضائها بالتسليم وإنما كان يعرفه بالتكبير.
والراجح أنه لا ينبغي أن يشوش الذاكر على المصلين لما رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف وخطب الناس فقال: (أما إن أحدكم إذا قام في الصلاة فإنه يناجي ربه، فليعلم أحدكم ما يناجي ربه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة في الصلاة).