للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأمر بالعدل في الأمور كلها]

إن الله يأمر بالعدل، والعدل: هو الإنصاف؛ فتنصف من نفسك، وتنصف في عبادة ربك سبحانه، فإن الله هو الذي خلق، وهو الذي رزق، وهو الذي يعطي، وهو الذي تجأر إليه وتقول: يا رب! يا رب! هذا الإله العظيم أليس وحده هو الذي يستحق أن يعبد؟ أليس وحده هو الذي يستحق أن يشرع فيطيعه خلقه فيما يقول سبحانه؟ فأنصف إن كنت منصفاً تعلم أن التوحيد هو عين الإنصاف، فعليك أن تنصف مع ربك سبحانه، وأن تكون عادلاً، فربك سبحانه الذي خلق قال للكفار: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الرعد:١٦]، سبحانه وتعالى.

تعدل فتعلم أن الله وحده الذي يستحق العبادة، وقد ضرب يحيى بن زكريا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام مثلاً لقومه بما أمره الله عز وجل؛ إذ جمع بني إسرائيل وقال لهم: (إن الله يأمركم أن تعبدوه وحده ولا تشركوا به شيئاً، ومثل الذين يشركون بالله كمثل رجل ابتنى داراً وعمل عملاً واشترى عبداً، ثم قال له هذا: عملي وهذه داري، فاعمل وأد إليّ، فكان العبد يعمل ويقبض ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك)، يعمل في مال سيده وبماله وهو عبده اشتراه بماله ثم يعطي الربح والمال لغير سيده، أيعقل هذا؟ هذا من الظلم الذي ينهى الله عز وجل عنه.

فكن مقسطاً، وكن عادلاً، واعبد ربك سبحانه، وأد إليه ما يريده؛ فهو الذي أعطاك ما سألته سبحانه، ومن الذي تسألونه في السراء والضراء وتجأرون إليه: يا رب! يا رب! فينزل عليكم الخير ويرفع عنكم البلاء والضير؟ إنه الله الذي لا إله إلا هو، قال سبحانه: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [النمل:٦٢].

فالله يأمر بالعدل: أن تعدل مع الخلق فلا تظلم أحداً، وإن أبغض الخلق إلى الله عز وجل الظالم، والظلم ظلمات يوم القيامة، ويأبى الله إلا أن يكسر هذا الإنسان الظالم الباغي، فإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

إن الله يأمر بالعدل، فاعدلوا مع أهليكم، ومع من تحت أيديكم، واعدلوا مع الخلق؛ حتى تنالوا عند الله سبحانه وتعالى شرف ذلك يوم القيامة بما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: (إن المقسطين على منابر من نور، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا)، فالمقسطون على منابر يجعل الله عز وجل لهم كراسي عظيمة مرتفعة يوم القيامة من نور، يظلهم بظله يوم لا ظل إلا ظله سبحانه؛ الذين يعدلون، أي: كانوا أهل العدل والقسط، فيعدلون في أهليهم، فأحدهم لا يظلم أولاده ولا يظلم نساءه، ولا يظلم أقرباءه، ولا يظلم أحداً من خلق الله عز وجل.

يعدلون في حكمهم وفي أهليهم وما ولاهم الله سبحانه وتعالى، فعليك أن تعدل مع خلق الله وأن تنصف من نفسك، وأن تأخذ الحق وتعطي الحق، وأن تتفضل على الخلق فتحسن، وهذه مرتبة أخرى.

قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:٩٠] وقد سأل جبريل النبي صلوات الله وسلامه عليه عن الإحسان؟ فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) سبحانه وتعالى، ولو أن كل مسلم راقب الله سبحانه في نفسه، وراقب الله في أهله، وراقب الله في الخلق؛ فأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، فأعطى الحقوق التي عليه، وأخذ ما له لانتفع الناس، ونزلت البركات من السماء إلى الأرض، ولو أن الخلق أقاموا حدود الله التي شرعها لنزلت عليهم البركات، وكيف لا؟ وقد قال النبي صلوات الله وسلامه عليه: (حد يقام في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً)، فحد يقام خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحاً، فبقيام حدود الله يقام العدل الذي أمر الله عز وجل به.

قال عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:٩٠] فأحسن إلى جارك تكن مسلماً، وأكرم ضيفك تكن مؤمناً، كما ذكر النبي صلوات الله وسلامه عليه، فأحسنوا، فمن أحسن فله الحسنى وزيادة، كما قال الله سبحانه: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦].

<<  <  ج: ص:  >  >>