وقد حاول بعض العلماء الجمع بين تلك الأقوال ولم يستطيعوا، لأنهم وجدوا في بعض الآثار تناقضاً في نفس الرواية أحياناً، فالأَولى أن يتم تنقيح الصحيح من الضعيف عند الحديث عن الشُبَه وما خفي تفسيره، ولا نكتفي بهذا بل نجتهد لمعرفة أصل المتن وما هو الحق فيه، لكي لا نرمي ما جاءنا من علم التابعين ومن تبعهم من رواة الحديث وأهل التفسير من العصور المفضلة، فهم أعلم وأتقى من أن نرد كلامهم بمجرد كلامنا. ولو تتبعنا أقوال الأئمة من المفسرين - أمثال ابن جرير الطبري - لوجدنا أكثرها من الروايات عن التابعين، وهؤلاء العلماء هم قدوتنا وطريقهم سبيلنا لفهم القرآن لا سواه، ولو وصلنا من العلم ما وصلنا ونقّحنا لهم ما نقّحنا وكان بيننا وبينهم من فضل لما كان إلا كفضل الرضيع على أمه، لأنهم ورّثونا المنهج في ابتغاء العلم وبيّنوا لنا طريق الحق، لذلك سنسير على دربهم في هذه الفواتح لنجد ما قيل فيها من أحاديث وآثار وآراء، فما كان منها صحيحاً عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وضعناه موطن اليقين، وما كان منها عن الصحابة والتابعين وضعنا ضعيفه موطن الشك وصحيحه موطن الظن - لأسباب سأبينها - كما نضع الموضوع منه على رف النسيان. ولا ننسى ما لأهل العربية وفرسان الكلام من علم أتحفونا به، وما جاء في أقوالهم ومؤلفاتهم من بيان وإفهام، فلا نكتفي بإيراد كلامهم، بل نجتهد في معرفة الأصل فيه ونسبته لقائله، فمعرفة الإسناد في اللغة لا تقل أهمية عن معرفته في الأثر، لأن كلام العرب هو الشاهد على فهم كلام الله.
المسلك الثاني: الذين شذّوا وأنزلوا كتاب الله منزلة العلم بالتجريب ولو بحسن نية، كمن جعل من هذه الحروف خبيئة في علم الحساب، أو من قال هي حروف من حساب الجمَّل؛ وهذا عليه الوزر، وهو كما قال الشوكاني: "وإذا تقرر لك أنه لا يمكن استفادة ما ادّعوه من لغة العرب وعلومها لم يبق حينئذٍ إلا أحد أمرين: الأوّل التفسير بمحض الرأي الذي ورد النهي عنه، والوعيد عليه، وأهل العلم أحق الناس بتجنبه، والصدّ عنه، والتنكُّب عن طريقه، وهم أتقى لله سبحانه من أن يجعلوا كتاب الله سبحانه ملعبةً لهم يتلاعبون به، ويضعون حماقات