عليه ما شاء من أسباب العيش الكريم، فكان التأكيد هنا على أن الصبر لا يكون إلا في الشدائد، ولا يكون في النعيم كما كان من حال المشركين، فقولهم اصبروا على آلهتكم لا معنى له، ولا يستقيم عقلاً، ولا يقوله إلا سفيه جاهل، وكأنك سألت رجلاً أنعم الله عليه بشتى النعم عن حاله فرد عليك بأنه صابر، وسيصبر على هذا الحال.
[الباب الثالث: إشارة الإعجاز في الحروف وموافقتها لمجمل الإشارات]
وبعد استقراء الحجج والإشارات نسأل أنفسنا: هل هذه هي الشبهات كلها؟ أم بقيت شبهة لم نتطرق إليها، ولم يأت الرد عليها في سياق السورة؟ وأقول: بل بقيت شبهة عند المشركين ذكرت في قوله تعالى {أَؤُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}[ص: ٨] وهي الشك في ذكر الله. فكيف شكوا بذكر الله؟ والشك بالكلام أو الرسالة بشكل عام لا يكون إلا في ثلاثة: شك في أصله أو في محتواه أو في غايته. فهل شكوا بهذا الكلام لكونه لا يليق بأن يكون من عند الله؟ وبالتالي شكّوا بصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ وهذا مستحيل لقوله تعالى {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ} فقد قرر الله بأنهم موقنون به، بل وعجبوا أيضاً، والعجب يأتي بعد اليقين لا بعد الشك، ولا حتى بعد الظن - وهو الأقرب لليقين - إذن فهل شكهم كان في ذات الكلام بما يحتوي من قصص وغيب وتشريع؟ ولو فرضنا ذلك لكان الرد عليه قد تحصل، لأن الردود دارت حول هذه المفاهيم، ولم تبين الآيات موطن الشك، وهذا بعيد لعدم ترابطه مع البيان، يبقى أنهم شكّوا بأن كلام الله لن يصل لما وعدهم به قائله؟ ولذلك كفروا به، وهذا أقرب للسياق لأنه يتناسب ويتناسق مع الرد في نهاية السورة {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (٨٨)} ويتناسب أيضاً مع ما يشبه هذا الرد في أواخر السور الأخرى وهو الأقرب للعقل، ولكن ما هو سبب شكهم؟ وما علاقته بكون الرسول - صلى الله عليه وسلم - منهم (وهم الأميون كما في واقع حالهم)؟ وإن أقررنا بهذا، فلا بد من وجود الرد