للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن المديني، فأبو بكر أسردهم له، وأحمد أفقهم فيه، ويحيى أجمعهم له، وعلي أعلمهم به." (١) وهذا الخطأ ليس بنقيصة في حقه ولا في حق غيره، لأن الغاية عندهم كانت أسمى وأعظم، وهي نقل المعلومة إلينا كما سمعوها من غير زيادة أو نقصان أو حتى تغيير، سواء كانوا من أهل القراءات أو من أهل الحديث وأهل اللغة، ومنهم من كان مقرئاً ومحدثاً وإماماً، وكان يحكم على القراءات وهو عالم بالرجال فصيح اللسان، ومنهم من كان من فرسان علم دون سواه ولا يشق له غبار فيه، وهي بالتالي علوم يكمل بعضها بعضاً، ولا ينقض بعضها بعضاً بأي حال من الأحوال، ليستبين لنا أن شرط التأويل السابق الذي شرطه العلماء بأن يوافق التأويل مجمل القرآن وعلومه، كما يوافق الحديث وعلومه، هو شرط صحيح كما هو شرط الموافقة لما تبين وصح من علوم العربية وأصولها، ولا يكون هذا الشرط على إطلاقه بأن يكون المفسر عالماً بكل هذه العلوم فهذا من المستحيلات، وما لا يدرك بعمر واحد، ولكن المراعاة والموافقة هي المشروطة بينها.

[الباب الرابع: بيان الشبهة في محاولة الجمع بين الأقوال]

أما من قال بأن هذه الحروف تحمل في معانيها من كل قول من الأقوال السابقة شيئاً، وأن هذه الأقوال بمجموعها تدل على المعاني الواسعة للحروف، فهذا وهم، وهو من عدم التفريق بين التفسير والتأويل، وهذا الخلط هو المنبع الأساسي لشبهة لغوية وأخت لها فقهية، أما اللغوية فقد كانت خفيه، وأتت متأخرة نظراً لتأخر ظهور المدرسة الرمزية في الفنون والآداب، والتي يقاس المتمكن فيها على بعد المسافة أو قربها من المعاني المباشرة لكلمات نصوصه أو منتجاته الفنية، والشبهة هي قول بعض المتّبعين للرمزية المبهمة أو بعض المشككين في الرمزية، أن الكلمات لا


(١) تهذيب الكمال للمزي (٤٠/ ١٦) ترجمة الإمام الحافظ أبو بكر بن أبي شيبة

<<  <   >  >>