قاعدة معلومة في اللغة على ما ليس له قاعدة ولا أَلِفَه العرب، ولا يقاس كلام الله على كلام البشر لأنه أعز وأعلى. وكما نلاحظ فإن الثلاث آيات قد اشتملت على حرف منفرد، ولم ينفرد حرف منها بآية كما في غيرها من ذوات الحرفين فأكثر من فواتح السور، وهذا لاشتماله تعظيم الحرف بذاته مع إنزاله موطن الجزء والأصل من الكلام، ولأنه لا يستقيم الحرف بذاته ليكون وحده جزءاً من الكلام ولا تكون غايته الإفهام. وعليه فقد جاء الحرف منفصلاً فاستوقف السامع ودل على ذاته، وأشار لما قد يحتويه من ترميز فنقل السامع لما بعده بشوق لمعرفة الدلالة فيه - وهي جبلة في الإنسان لحب معرفة الرموز - ولكن السامع احتار في معناه بعد ذكر ما بعده مباشرة، أهو على الأصل أم إختصار لغاية أسمى قد تظهر في سياق الكلام، فتابع السامع الكلام وفي نفسه حب معرفة الغاية بالتركيز على كل كلمة بانتظار الغاية، وعندما قرر المخاطب جلّ في علاه أن يُنهي الكلام بيَّن الغاية من كلامه كله، وليس الغاية من ذكر هذا الحرف فقط، فعلم السامع أن الغاية من ذكر الحرف هي ما قد فعل للتو بسماعه الكلام. وهذا هو الدليل على أن الإعجاز في النظم لا يكون إلا في سياق النظم، ولا يكون بحال من الأحوال في الجمع بين الحروف، كما نجمعها ونبدأ بوضعها في جمل أو نحللها على بناء أنها رموز. وهذا لا ينفي الإعجاز في اختيار الكلمات - ومنها الحروف- ففي كلٍّ إعجاز، والله يؤتي الحكمة من يشاء.
[الباب الثاني: استقراء بعض قواعد النظم في سور الفواتح]
بناءً على ما سبق وما جاء في التفاسير من معاني، لنتأمل قول الله (ن والقلم وما يسطرون)(ص والقرآن ذي الذكر)(ق والقرآن المجيد) وما ذكر بعدها لنحاول استخلاص إحدى قواعد النظم بالاستقراء في الفواتح الثلاث، من غير قياس على أقوال المفسرين وأهل البلاغة، لنصل لتعريف سر واحد إن استطعنا من ذكر هذه الحروف في سياق نظمها. فالسور الثلاث ابتدأت بحرف