واحد من المعجم وكلها أثنت على الكتاب، ثم على ما جاء في الكتاب من ذكر، فقوله تعالى (والقلم وما يسطرون) داخل فيه الغاية من خلق القلم أو وظيفة القلم، وهي الكتابة، وبالتالي الكتاب أو القرآن وما يسطرون هو الذكر، أو كلام رب العِزّة، كذلك (والقرآن ذي الذكر) ظاهرة بينة، وكذلك في (والقرآن المجيد) أي ذي الذكر المجيد، وبردِّها إلى أصلها تكون كلها قد أشارت لحرف، ثم كتابة، ثم نظم، وأتى بعدها ذكر التنزيل وذكر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودوره في الخطاب ومجادلة الكفار لإبطال الحجج وإثبات ألوهية الخالق وحده. أي (حرف/كتاب/ذكر) وهي مكونات اللغة وتقوم مقام (اللفظ/الكتابة/النظم) ونحن نعلم أن الحروف هي مبدأ الكلمات، والكلمات هي أصل الكتابة، والكتابة دليل على نظم الكلام وسبب نشر لغته وحفظه، وهذه حقيقة في كل الكتب وكل اللغات!
فماذا كان بعدها في النظم؟ كان ذكر الرسول والتنزيل (حرف/كتاب/ذكر/رسول) وهي مكونات الرسالة والتنزيل على لسان هذا النبي الأمي وتقوم مقام (اللفظ/الكتابة/النظم/نبي أمي) أي هذا ليس بكتاب مؤلف بين البشر، فهو كتاب بنظم إلهي على سياق عجيب غريب متين، باستعمال حروف وكلمات كما في لغة القوم، ومقروء بنظْم بيِّنٍ وواضح على لسان نبي أمي لا يقرأ ولا يكتب، وهذا هو دليل "التنزيل من السماء" وكذلك هو بديل المشاهدة للمعجزات كما كان في الأمم السابقة، وهو بالمحصلة (الإعجاز في النظم) ومجموع هذا الكلام - أي القرآن - هو المعجزة، فأهل قريش هم أفصح الناس بالعربية ونظمها، ولكن خالقهم وخالق ألسنتهم يتكلم بالعربية، وينظم بها بأبدع ما يكون في لغتهم، فإن كانوا عارفين بالنظم وبديع القول، فخالق الحروف والكتابة والألسن هو الخبير بها والعالم بأسرارها (١).
(١) أعني الحروف الكتابية، وحروف المعجم المبهمة، وهناك خلاف بين أهل العلم على ما نسميه حروف المعجم، والخلاف أشد على القول بخلق الحروف، وليس هذا مجال البسط فيه، ولكن الحق فيما ذهب إليه ابن تيمية حيث قال في جامع الرسائل والمسائل (٤٦/ ٣) ومجموع الفتاوى (٥٥/ ١٢): "ومن قال أن جنس الحروف التي كلم الله بها بالقرآن وغيره ليست مخلوقة وأن الكلام العربي الذي تكلم به ليس مخلوقاً والحروف المنتظمة منه جزء منه ولازمة له وقد تكلم الله بها فلا تكون مخلوقة فقد أصاب." قلت: وما سوى ذلك تخبط ولا فائدة منه البتة.