أصحابه: كيف تقولون إذا أردتم أن تلفظوا بالكاف التي في لك، والباء التي في ضرب؟ فقيل: نقول: باء، كاف؛ فقال: إنما جئتم بالإسم، ولم تلفظوا بالحرف، وقال: أقول: كه، به." (١) فأفادت هذه الحروف بوجوب وإلزام نقل القرآن باللفظ والكتابة معاَ، لأن كتابة الحروف تقضي بقراءتها على أسمائها إن جاءت مفصولة فقط، وعلى لفظ الكلمة إن جاءت موصولة فقط، وهذه الحروف جمعت بين الاثنين، فلا مخرج منها إلا بتبليغها باللفظ. وإن قال قائل: إن كتابة القرآن اعتمدت الرسم العثماني، وهم قد اختاروا هذا الفعل - أي أن يكتبوها على هيئة الكلمة - وكان بإمكانهم فعل العكس، قلت كيف لهم أن يكتبوا مثلاً (نون) هكذا، وهي تعني الحوت؟ وكيف لهم أن يضمنوا عدم لفظها بغيرها كما تقرأ أيضاً توت؟ وصاد تأتي كفعل، وياسين هو اسم، وقاف كذلك وزيادة، لكنهم كتبوها كما ألزمتهم من غير لبس، ولفظوها كما سمعوها، وبلغوها كما نطقها الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
ورغم ما في هذا الاستنتاج من فائدة عظيمة وإبهار للعقول، وإعجاز للبشر بمجرد النظر لبعض أسرار النظم الإلهي، إلا أنه يرفعنا لمقام أعلى لفهم المقاصد واستنتاج للمعاني، ولبيان الطرح أقول: لنعد لقول الله تعالى {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩) القيامة} لنتأمل في هذا الوحي الإلهي قبل الكتابة، وحين التلقّي من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ورجوعا لبيان الحال كما جاء في أقوال ابن عباس " كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه"،" وكان يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك شفتيه" وقال: " أنا أحرك شفتي كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحرك شفتيه"، وكل هذا لبيان الحال، فهذه الأفعال منه - صلى الله عليه وسلم - من أفعال البشر لحرصه على حفظ القرآن، وهي مما يفعل الناس عند الاهتمام