للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذن مع القدرة على المشابهة في أصل الموجود يكون وجه الدلالة على الإعجاز في نظم هذه الحروف هو إعجاز البشر عن الإتيان بكلام واضح في سياق نظم متين، ويحتمل كل هذه الوجوه، سواء وجوه الإعراب أو وجوه التأويل الصحيحة والمشهورة فقط، والذي احتملته الفواتح، ولن يأتي بمثل هذا النظم إلا خالق المتكلمين ومبدئ اللغات. وهو الوجه الصحيح من كلام المحققين بالغاية في ذكر الحروف، يقول الشنقيطي: "أما القول الذي يدل استقراء القرآن على رجحانه فهو: أنّ الحروف المقطّعة ذكرت في أوائل السور التي ذكرت فيها بياناً لإعجاز القرآن، وأن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله مع أنه مركب من هذه الحروف المقطّعة التي يتخاطبون بها. وحكي هذا القول الرازي في تفسيره عن المبرد، وجمع من المحققين، وحكاه القرطبي عن الفراء وقطرب، ونصره الزمخشري في الكشاف. قال ابن كثير: وإليه ذهب الشيخ الإمام العلامة أبو العباس بن تيمية، وشيخنا الحافظ المجتهد أبو الحجاج المزي، وحكاه لي عن ابن تيمية. ووجه شهادة استقراء القرآن لهذا القول: أن السور التي افتتحت بالحروف المقطّعة يذكر فيها دائِماُ عقب الحروف المقطّعة، الانتصار للقرآن وبيان إعجازه، وأنه الحق الذي لا شك فيه." (١) والوجه الصحيح من كلامهم هو أن الخلق عاجزون عن معارضته بمثله ليس لأنه مركب من هذه الحروف التي يتخاطبون بها، بل لأن بعضه مركب من هذه الحروف المقطّعة المذكورة في مواقعها كجزء منه، ولن تستطيعوا استبدالها بأي كلمة كانت، من غير إخلال بما بعدها مما يوجب النقص، أو الزيادة بشيء مضمر قبلها مما يظهر التحريف ويكشفه.


(١) أضواء البيان (١٦٦/ ٢) تفسير سورة هود، وقد ذكرت سابقا قول الباقلاني في الإعجاز "وقد علم ذلك بعض أرباب الحقائق" وقصد هذا الوجه.

<<  <   >  >>