والنقل؛ فالزمن له ماض وحاضر ومستقبل، كذلك الكلام له ماض وحاضر ومستقبل، وهذا التفصيل هو الأساس لنشأة اللغات، - بحسب علم البشر التجريبي - وهذا التقسيم ظاهر في القرآن بالاستقراء، وظاهر بصورة خاصة في أول سورة نزلت من سور الفواتح، وهي سورة القلم. ولكن هل يكون كلام الله مشابها لغيره من الكلام في أصله وتفصيله؟ ولم يأت بما هو أصيل لا تفصيل له! فلنقرأ سورة القلم لنعلم الحق، فهذه السورة قد ابتدأت بالقسم بحرف النون أداة الكلام، وبالقلم أداة الكتابة، وبما يسطرون وهو النظم المعجز، أقسم الله بها جميعاً على نفي صفة الجنون عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ورفعت من قدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بوصفه أحسن الأوصاف، وبعدها يُظْهر الله الذنب العظيم لمن رد كلام الخالق، ووصف القرآن بأنه من أساطير الأولين، وأن ما ورد فيه ما هو إلا روايات، وهذا الوصف بدوره ينفي التشريع وبيان الحق بحكم الله الظاهر في كتابه العزيز، وينفي أن ذكر الغيب بما فيه من حديث عن الآخرة والبعث والجنة والنار ضرورة عقدية، والإيمان به هو طريق السلامة. فكان رد القرآن صريحاً بوصف القائل بما يستحق من صفات، وتوعده الله بعدها بأن (سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ)، وهنا إشارة وتأكيد بأن في القرآن قصص وذكر لأخبار الأولين، ولكنها ليست مأخوذة مما سطر الأولون، وليست أقاويل على أي اعتبار، بل هي من كلام الله في كتابه العزيز إخباراً لنا، إما بما لم تذكره الكتب السابقة فيكون من الغيبيات المستحيلة على البشر، أو ذكرته الكتب السابقة على وجه غير صحيح بعد تحريفها وجاء القرآن ببيانه على الوجه الأمثل، فقد تتشابه القصص، ولكن الله يميز كلامه عن غيره بطرق كثيرة، لتكون عبرة لمن يعتبر. وبعد هذا تدور الآيات في السورة على هذا الهدف العظيم، وهو التأكيد على هذا التفصيل والتقريع على من أنكره، فبعد الوعد والوعيد يشبِّه الله حال الكافرين بأصحاب الجنة، {إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧) وَلَا يَسْتَثْنُونَ (١٨) فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ (١٩) فَأَصْبَحَتْ