للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوحيد هو ما أنزلت عليهم من دعوة للعلم، فإن أخذوا بها سادوا الأمم، وإن لم يأخذوا بها فتذكر أنك في الأساس نذير "فلا يهمنك فليس عليك إلا البلاغ، وما أنت عليهم بوكيل تتوصل إلى ردهم إلى الطاعة بالقهر والغلبة، بل الوكيل الله الفاعل لما يشاء" (١)، وهذا هو الدليل الواضح على أن ما ضاق له صدر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو (البعض*) فيه ما لا يعلمه، بل وليس من سبيل له ليعلمه، وأنه مقصور على الإنذار بما ضاق صدره منه، هذا ولم يأت الخطاب في القرآن موجّهاً للرسول وقصره على الإنذار إلا في آيتين، هذه الآية والأخرى بعد قوله تعالى {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٢٢) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (٢٣) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (٢٤) فاطر} وهذا القصْر على الإنذار "تحديد لقدرته، وما يطلب منه، وأنه نذير فحسب، وليس نذيراً وقادراً على إيجاد الهداية في النفوس المنصرفة" (٢)، وكل رسول يحمل رسالة من الله أو كل نبيّ يأتي بنبأ السماء هو في الأصل نذير، و"واضح أن المراد بكل هذا هو أن فاقد الشيء لا يكون كمن أوتي هذا الشيء" (٣)، ونحن نقول: هذا الشيء هو علم الكتابة لا غيره، فإن قال قائل: كيف لنا أن نتيقن بأن هذا هو المراد لا غيره، قلت: وهل في القرآن ما هو مغلق على الفهم؟ حاشا وكلا، فالإشارات والدلالات في القرآن مفاتيح لما أُغلق على الأفهام، والحصر والقصر لهذا (البعض*) دليل على انعدام غيره، فهل في القرآن أو الوحي ما لا يعلمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ حاشا وكلا، إلاّ علم كتابته، وهو المعجزة الخالدة للرسول - صلى الله عليه وسلم -، وضيق صدره الشريف كما هو ضيق صدر المعلم


(١) نظم الدرر للبقاعي (٥٠٩/ ٣)
(٢) دلالات التراكيب، لمحمد محمد موسى ص ٦٩، وفيه بحث كامل جليل عن صيغ القصر في اللغة بشكل عام وفي القرآن بشكل خاص.
(٣) السابق ص٦٩

<<  <   >  >>