يخص منها اللغات ومقارنتها، واتخذته مقروناً في بيان الوجوه الصحيحة من كل الآراء، مع إغفال الوجوه السقيمة منها بما تحصل عندي من استقراء وتأمل في غايات الذكر الحكيم، غير مُرجّح لرأي دون آخر ولا مُتّبع لمسلك دون سواه، إلّا ما دلّت عليه إشارة أو دلالة في كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - أو ما وافق فهماً صحيحاً لأثرٍ عن السلف من دون أي التباس.
ولست أدعي فيما أكتب علماً لم يبلغه أحد، إنما هو بيان لوقفات مضيئة على ما ورد ذكره في القرآن من حروف، وما فيها من دلالات وإشارات تُبهر العقول وتُغذّي الروح، رغم أنها كانت على مر العصور موطن تأويل وبحث واختلاف، وكان مَبلغ علم المتبحر في غاياتها ودلالاتها أن يقول: هي من علم الله، أو هي من المتشابه في القرآن. وقد كانت بحق وما زالت كما قيل بأنها تلك الفواتح العظيمة التي تقرع آذان السامعين لتنقلهم من مراتب السمع الخالص إلى أفق التأمل بما تعجز القلوب عن إدراكه من أسرارٍ للبيان الإلهي.
وقد بيّنت في هذا الكتاب أنها أتت للرد على مسالك المتكلمين فيها وفي القرآن بغير علم، وأنها ردت عن نفسها بأعجب ما يكون في الرد من إيجاز، وأدقه معرفة لكمائن النفوس، وأنها جمعت أقوال المفسرين بتكامل عجيب بما جاء فيها من أسرارٍ للنظم الإلهي الأوحد. ولم أغفل بحمد الله عن البيان والتفصيل والتأصيل لأسباب الخلاف الظاهر بين أقوال العلماء والمفسرين، قبل الحديث عن بيانها وتفصيل الأقوال فيها، وقبل بيان بعض دلالاتها وإشارات الإعجاز فيها. على أنني لم أرجع فيما بسطته من أسباب للخلاف والاتفاق في التأويل إلى كتابٍ مُؤلَّف أو قولٍ يروى، ولا وجدت ما ذكرته مجموعاً في مكان، وإنما عرفته بالاستقراء وتأمل كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وما نبّه أهل العلم على إثباته وما حذّروا من إتباعه. وهذا البيان وهذا التفصيل رأيته ضرورة حتمية، تلزمنا نحن المسلمين لتصفية ما علق في أذهاننا من الفهم السقيم لبعض الحقائق الناصعة، وما شابها من تغيير وتبديل؛ لننير بذلك طريق الفهم السليم لمكنونات الذكر الحكيم.