للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المكتبات، أو يوجد من هو خبير بها ويستطيع تمييزها عن غيرها من الحواشي (١)، لذلك لم يكن من سبيل لمعرفة الكثير مما روي بخطوط الناس، وقد قال الإمام أحمد: "ومَنْ يَعْرَى من الخطأ والتصحيف؟ " (٢) وهذا عند المحدثين، فكيف بمن كتب ولم يكن محدثا، وكيف بمن كتب عمن كتب، ناهيك عما يلحق الصحف من تخريب وتبديل، لطول العهد وتأخر التحقيق فيها، ومثالاً عليها ما يرويه عبد الله بن صالح كاتب الليث عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وابن أبي طلحة هو صاحب صحيفة الوالبي المذكورة في كتب أهل الحديث والتفسير، والتي حدّث عنها


(١) هو ظاهر في كتب المحققين، كما جاء في سير أعلام النبلاء (٢٥٩/ ١٢) من ترجمة إسحاق بن منصور (ت ٢٥١ هـ) وحمله المسائل التي رجع عنها الإمام أحمد من خرسان إليه في بغداد، وأنه عرض خطوط الإمام أحمد عليها في كل مسألة، وكان الخط عندهم بمثابة التوقيع، وما جاء في لسان الميزان (١٦١/ ٣) في ترجمة صاعد بن الحسن الربعي (ت ٤١٧هـ) وأنه قال: " ... حتى ولّاني عبد العزيز بن يوسف خزانة كتبه فأصبت فيها خطوط العلماء وأصولهم التي استأثروا بها لأنفسهم دون الناس"، وترجمة محمد بن علي الواسطي (ت ٥٧٢هـ) (٣١٦/ ٥) قال: "وما أظنه حدث بشيء فإنه كان يقال إنه يزور على خطوط المشايخ قراءته، اشتهر بذلك فتركته الناس." وفي ترجمة ابن الملقن (ت ٨٠٤هـ) في طبقات الشافعية (٤٥/ ٤) "رأيت خطوط فضلاء ذلك العصر في طبقات السماع توصفه بالحفظ ونحوه من الصفات العلمية"، وما جاء في الدرر الكامنة لابن حجر (٤٤٦/ ٥) في ترجمة محمد ابن القوبع المالكي (ت ٧٣٨هـ) قال: "ويعرف خطوط الأشياخ"، والمكاتبة والمناولة معروفة في علم رواية الحديث، قال ابن تيمية في بيانها:"ثم المكاتبة يكفي فيها العلم بأنه خطه ولم ينازع في هذا من نازع في كتاب القاضي إلى القاضي والشهادة بالكتابة" من مجموع الفتاوى (٣٤/ ١٨)، وما جاء على لسان العالم المتبحر في علم المخطوطات خليل الخالدي من أن خطوط المحدثين كانت محفوظة لوقت متأخر في المدرسة الضيائية - نسبة إلى مؤسسها ضياء الدين المقدسي - في دمشق، حتى انتُهبت على يد المغول، وهي المدرسة التي تخرج منها كثير من علماء الإسلام الأفذاذ أمثال ابن تيمية والذهبي- من كتاب النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين (ج٥ ص١١٨).
(٢) المزهر للسيوطي (٣٥٢/ ٢) وقال شرحاً له: "قال المعري: أصل التصحيف أن يأخذ الرجلُ اللفظ من قراءته في صحيفة ولم يكن سمعه من الرجال فيغيّره عن الصواب، وقد وقع فيه جماعةٌ من الأجلاء من أئمة اللغة وأئمة الحديث حتى قال الإمام أحمد ... " وقال: " وفي الصِّحاح: قال الأصمعي: كنت في مجلس شُعبة، فروى الحديث، فقال: تسمعون جَرْش طير الجنة بالشين، فقلت: جَرْس، فنظر إليّ وقال: خذوها منه، فإنه أعلم بهذا منا." وهو في الصحاح للجوهري (٩١٣/ ٤).

<<  <   >  >>