للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إعجازاً لمن بعدهم، فساووا بين القرآن وغيره من الكتب، واعتبروا ما فيه من باب السرد، فانتصروا لأي رواية في التفسير تقوّي مذهبهم، ولو كانت ضعيفة أو موضوعة، ومن هذا ما روي عن بعض العلماء في تفسير الحروف المقطّعة بأنها أسماء للسور، وتبعه الكثير من أهل الكلام انتصاراً لقولهم بأن ليس في القرآن ما لا معنى له، وللرد على من قال بأن القرآن ليس عربياً خالصاً (١)، وهي أقوال ساقطة رد عليها كثير من العلماء، فالغاية سليمة والطريق سقيمة.

السادس: إنّ فترة ما قبل التدوين وخاصة فترة التابعين امتازت بظهور عدد من المفسرين الثقات الأئمة، من الذين أخذوا العلم عن الصحابة أو كبار التابعين وسمعوا التفسير منهم، وحدثوا عنهم ما سمعوه من أحاديث، فظن الناس أنهم أخذوا التفسير كله عن الصحابة، وليس الأمر كما ظنوا، فهم يفسرون مجمل القرآن برأيهم وما رجح عندهم من إسرائيليات وأخبار، والبعض مما يفسرون به سمعوه من الصحابة، فكان هذا سبباً لرفع أسانيدهم عند بعض المخبرين الكذبة بغية الشهرة، أو سبباً للاختلاف عند من وهم من المحدثين بأنها من كلام الصحابة أو التابعين، فتجدهم يروون عن هذا مرة وعن ذاك مرة، من ذلك ما جاء من قول ابن عباس في (يس) أي


(١) قال الرازي في التفسير (٦/ ٢): "هو قول أكثر المتكلمين واختيار الخليل وسيبويه." قلت: لم يثبت بأنه من كلام الخليل بما تناقله الناس عنه، كما أنكره سيبويه (١٨٠هـ) على العموم وجوزه في بعضها حيث قال في الكتاب (ج٣ ص٢٥٨): " وقد قرأ بعضهم: "ياسين والقرآن"، و "قاف والقرآن". فمن قال هذا فكأنّه جعله اسما أعجميّا، ثم قال: أذكر ياسين." وأنكر التسمية لغيرها مما ليس في أسماء السور في القرآن مثل كهيعص. وقول الرازي جاء اتّباعاً لقول الزمخشري في الكشاف (٢١/ ١): "وعليه إطباق الأكثر"، وهذا منهما انتصاراً لقول المتكلمين، وقد اختار الرازي هذا القول كتفسير للحروف وخالف الجمهور، وجاء رد الرازي في المحصول (٣١٠/ ١) بهذا القول على من ادعى بأن القرآن ليس عربياً خالصاً وأن الحروف معجمة ومبهمة، وكذل فعل الآمدي ردا على من قال بأن في القرآن ما لا معنى له، كما في الإحكام في أصول الأحكام (١٦٧/ ١) بقوله "أما حروف المعجم، فلا نسلم أنه لا معنى لها، بل هي أسامي السور ومعرفة لها. " والشبهة قول ظاهر الضعف، رد عليه الكثير من العلماء من غير وجه، وجاء في شرح الكوكب المنير لابن النجار (١٤٤/ ٢) بأنه من قول الجمهور رداً على بعض الحشوية (أهل الرواية والحديث) الذين قالوا بأن حروف الفواتح لا معنى لها، وقال بأن قول الجمهور هو أنها أسماء للسور أو أسماء لله تعالى أو هي سر استأثر الله بعلمه أو غير ذلك من الأقوال في التفاسير. قلت: من قال بهذا من أهل الحديث فهو مردود عليه، لأنه باطل ولم يرد فيه أثر صحيح، وسآتي على تفصيل القول فيه لاحقاً. وقال أبو حيان الأندلسي في تفسير البحر المحيط (١٥٦/ ١): "فجمهور المفسرين على أنها حروف مركبة ومفردة." فلا تلتفت لقولهم أطبق وأكثر.

<<  <   >  >>