للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهل الكتاب وما طابق حالهم فيه حال المنافقين كان على صواب، قال ابن رجب الحنبلي: "ومِنْ أعظم خِصال النفاق العملي: أنْ يعملَ الإنسان عملاً، ويُظهرَ أنَّه قصد به الخيرَ، وإنَّما عمله ليتوصَّل به إلى غرض له سيِّئٍ، فيتمّ له ذلك، ويتوصَّل بهذه الخديعةِ إلى غرضه، ويفرح بمكره وخِداعه وحَمْدِ النَّاس له على ما أظهره، وتوصل به إلى غرضه السيِّئِ الذي أبطنه، وهذا قد حكاه الله في القرآن عن المنافقين واليهود" (١)، ففعلهم وخلقهم مكروه وإن لم يكن في الإيمان، ومن ذلك ما روي أنه "كان شاب يمشي مع الأحنف بن قيس فمر بمنزله فعرض عليه الشاب فقال: يا ابن أخي لعلك من العارضين قال: يا أبا بحر وما العارضون؟ قال: «الذين يحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، يا ابن أخي إذا عرض لك الحق فاقصد واله عما سوى ذلك» " (٢). وهذا من التوسع في التأويل لا التفسير، فلا حجة بقول الصحابة "نزلت في كذا"، وقد جاءت منهم -رضي الله عنهم- إما لبيان واقع التنزيل لكلام الله لنفهمه بذات الطريقة التي فهموه بها، أو كانت لضرب المثال كما سبق، ومعلوم أن قول الصحابي في بيان الواقع شهادة لا رواية، ولذلك رفع شأنها بعض علماء الحديث عما هو مسند إليهم من روايات موقوفة، ولو كان غير ذلك فكيف بجمع أسباب التنزيل مع بعضها إن اختلف السبب في نفس الآية، وهو كما قال ابن تيمية: "فقول أحدهم: نزلت في كذا، لا ينافي قول الآخر: نزلت في كذا، إذا كان اللفظ يتناولهما، كما ذكرناه في التفسير بالمثال." (٣)

ومن الآيات التي احتجوا بها أيضاً قوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا .. الآية ٩٣ المائدة} وقول من احتج بها على أن الخمر مباحة وأنهم لو علموا سبب


(١) جامع العلوم والحكم، حديث ٤٨ (٤٩٣/ ٢)
(٢) في الزهد للإمام أحمد (ص٤٠٦) وابن المبارك في الزهد والرقائق (ص٤٩٢).
(٣) مقدمة في أصول التفسير، ص ١٧

<<  <   >  >>