والباطل." (١) والقصد من الكذب المذكور هو صرف الناس عن أمر الدين، وهو هنا بالطعن في عرض الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعرض صاحبه أبي بكر الصديق بحسب الآثار، والآية نزلت في هذه الواقعة فدلت عليها وكان النص أعم، فكان ما قيل في عائشة مثله كمثل الكذب الصارف عن طريق الله، ولو قرأ الآية أحد من المسلمين من غير علم بحادثة الإفك لفهم المقصود من الآية، فالله يقول {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} أي أن الذين يكذبون في الأمور العظيمة من أمور الدين لتكون سبباً لصرف المسلمين عن دينهم وصرف للناس عن دين الإسلام هم في ظاهر الأمر من المسلمين، فمنهم منافق في الباطن ومنهم فاسق في الظاهر، ومنهم من جره القول كحال أهل الجاهلية، فهم عصبة، وما جمع بينهم غير العصبية للرأي أو للهوى، ولم يجمع بينهم عقيدة مناقضة لدين الإسلام فيكونوا من غير المسلمين على الإطلاق لذلك {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} فهذا الكذب الذي يقولون في ظاهره الشر للمسلمين، كونه ينشر الفرقة ويبعد الناس عن دين الله، ولكنه في حقيقة الأمر خير لكم لأن فيه طهارة للمسلمين، وتنقية وتفريق بين الإيمان والنفاق، بل قد يكون السبب في دفع البعض من الصادقين لتمييز الحق من الباطل في الشبهات، فيكون فيه العلم كما ينبغي، وبالتالي يكون فيه بيان الحق للمسلمين وغيرهم، لتتم به دعوة الإسلام، وهو ما حصل ويحصل على الدوام في أمور المسلمين، وليس علم الكلام من هذا ببعيد، فما قالوا به في الحقائق من دين الإسلام إلا إفك أفكه البعض لغاية دنيئة، ومشى فيه البعض من المسلمين حتى ظن الناس أن الدين قد افترق، وأن الدين فيه ما يناقض العقل، وأن الله لا يتصف بصفات الكمال (تبارك الله أحسن الخالقين)، فما كان إلا أن أظهر الله الحق وميَّزه عن غيره، وزاد المسلمين به علماً فوق علمهم بأن برز فيهم من يذبّ عن