للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

انقطاع بين السور، وعلامة ابتداء لسورة أخرى كما كان العرب يقولون في بداية أشعارهم (بل) و (لا بل)، فهذا الاستدلال باطل، وقد قال به من ردّ على القائلين بأن هذه الحروف إن كانت فواتح فهي بلا معنى، فاستشهدوا بفواتح الشعر وبغيرها من الشواهد كما قال الأخفش بعد ذكر الشواهد: "فهذا يدل على أن الوجه الأول (أي أنها فواتح) لا يكون إلا وله معنى. لأنه يريد معنى الحروف" (١)، فلا نحمل التابعين ما لم يقولوا، فقد قالوا بأن الحروف التي هي فواتح السّور حروفٌ يستفتحُ الله بها كلامه، ولم يزيدوا ولم يشرحوا بأكثر من ذلك (٢). ومن قال بهذا القول فلا بد له من تفسيرها كحروف مقطّعة كما فعل قطرب والأخفش، وقد سبق قولهم بأنها حروف مقطّعة لا أسماء للسور، وكذلك فعل النحاس - وهو اختياره- فقال: "ثم يتأوله أهل النظر، على ما يوجبه المعنى"، وفي هذا القول وجه حسن سآتي على ذكره لاحقاً.

السابع: ما قاله أهل البلاغة بأن فيها إعجازاً في النظم لكونها بالمجموع تمثل نصف حروف الهجاء، وتحتوي على أنصاف صفات الحروف للدلالة على باقي الحروف، (٣) وعدم الحجة في هذا القول أنّ فيه إلزاماً لسماعها بعد جمعها، وهذا بعيد عن إقامة الحجة على سامعيها الأوائل،


(١) معاني القرآن للأخفش (٢٢/ ١)
(٢) قال النحاس في معاني القرآن (٧٧/ ١) إنهم لم يشرحوا لأنّ الشرح والإسهاب ليس من مذهب الأوائل. وقد قام الأخفش بهذا الربط ليرد على من قال بأن الحروف إن كانت فواتح افتتح الله بها فهي إذن من غير معنى، وأخذ المفسرون عنه أن كلا القولين واحد، وليس كذلك، وقد سبق قول الأخفش فيها، لذلك مال الرازي لهذا القول لأنه من الردود على من قال بأن الحروف لا معنى لها، فغاية التقرير عنده كانت تجميع الردود لا بيان التأويل، ولذلك خالف الجمهور باختيار القول بأسماء السور.
(٣) كما قال القاضي الباقلاني (ت٤٠٣هـ) في الإعجاز (ص٦٦)، وأورده الزمخشري (ت٥٣٨هـ) في الكشاف (٢٩/ ١) ولم ينسبه، وزاد عليه شبهة لم يتنبه إليها الكثير من العلماء، وسآتي على تفصيل القول فيه لاحقاً، وقد تناقله علماء التفسير عن الزمخشري، وهو قول القاضي أبو بكر الباقلاني لسان هذه الأمة في زمانه، وقد أنكر هذا القول بعض العلماء كالشوكاني وقال بأنه تدقيق لا يأتي بفائدة (٣٠/ ١)، وقد علمنا أن فيه فائدة عظيمة، فلا يلتفت لإنكاره. والقول بأن ذكر بعضها يدل عليها قول لقطرب كما نقل عنه ابن عطية في المحرر الوجيز (٨٢/ ١) قوله "فقوله {الم} بمنزلة قولك أ، ب، ت، ث، لتدل بها على التسعة والعشرين حرفاً" وسآتي على بيان الفائدة في مكانها.

<<  <   >  >>