وهذه الحروف (ن، ق، ص، الم، كهيعص ... ) نزلت من مجمل القرآن، وتلذذنا نحن المسلمين بقراءتها وإن لم نعلم ما حملته من مقاصد على وجه اليقين، وليس مِنّا أحد إلّا ويعلم معناها على الأصل، وهو علم من لا يعلم إلا قراءتها، فنحن نعلم بأنها "حروف مقطّعة تنطق بأسماء الحروف لا مسمياتها، ونعلم أن لكل حرف اسماً، وله مسمى؛ فحين نقول أو نكتب كلمة "كتب"؛ فنحن نضع حروفاً هي الكاف والباء والتاء بجانب بعضها البعض، لتكون الكلمة كما ننطقها أو نقرؤها. ويقال عن ذلك إنها مسميات الحروف، أما أسماء الحروف؛ فهي "كاف" و"باء" و"تاء"."(١) أما البحث في تأويلها وبيان مقاصدها فنتفاوت فيه كما يتفاوت الناس في الفهم، ويختلف عليه العلماء كما تختلف آراؤهم على غيره من مواطن الخلاف، وكل رأي اتسق مع غاية الوحي وسبيله في الإفصاح كان على حق وكل ما خالفهما كان شاذاً وباطلاً.
وقبل الخوض في بيان آراء العلماء في تأويل الحروف وتفصيلها، يجب الوقوف على ثلاثة أمور، لنعلم موطن الخلاف في تأويلها وبيان غاياتها، وهي:
الأول: ذكر مسالك المتحدثين فيها، لنميز الخبيث من الطيب، ولنعطي كل ذي حق حقه، كل حسب غايته.
الثاني: ذكر بعض الأسباب التي تدعوا لفهم القرآن، من غير النظر للخلاف القائم على تأويلها.
الثالث: ذكر سبب الخلاف في تأويل الحروف، وبيان مسببات الخلاف على بيان المقاصد من كلام الله.