للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتشير بها على حرمة هذا الفعل، بل ستقول له حرام عليك ألم تسمع قوله تعالى (ولا تقل لهما أف) لأن الضرب فعل والتأفف والنهر قول، والإشارة تصلح مع تشابه السبب، أما مع الاختلاف فيكون معه الدليل والاستدلال، وقد استدللت بقوله تعالى على حرمة التأفف والنهر بما يلزم تحريم الضرب وهو الثابت بدلالة النص، ونحن نعلم بمجرد اللفظ أن الله أراد تحريم الضرب، فنهى عما هو أبسط الأفعال والأقوال، ولو رد عليك لكان عاصياً لأوامر الله الظاهرة، لأنه لا مجال لسوء الفهم هنا البتة، أما الثابت بمقتضى هذا النص فهو أن الفاعل لهذا الفعل عاق، وخُلقه غير محمود ودينه ناقص لا يُرتَضى، ولو أن أهل الحديث ردوا حديث العاق لوالديه لكانوا على الحق، وإن لم يفعلوا لكانوا على الباطل، ولو أن أحداً سأل عن رجل عاقّ تقدم لخطبة امرأة ولا يعلمه إيّانا؛ فأجبناه بأن دينه وخلقه لا يُرتَضى، لكنا صادقين مأجورين، ولو أجبناه بغير ذلك لكنا كاتمين للحق آثمين، ومن ذلك ما ذكره الصلاح الصفدي في الوافي بالوفيات (١) من ترجمة عبد القوي نجم الدين الأموي الأسنائي (٦٨٦هـ) وهو فقيه فاضل، عندما تولى الخطابة والصلاة كاد له بنو السديد، فأحضروا من شهد على أبيه أنه قال عنه إنه عاق له، فأُوقِف عن الخطابة، واستقرت الخطابة لأحمد بن السديد، وعندما كان نجم الدين يصلي لا يصلي خلفه أحد، ولو لم يكن العقوق طاعناً في الدين لما سمعنا بهذا الخبر وغيره.

هذا وقد تخفى بعض الإشارات والدلالات على فقيه وتظهر عند آخر بحسب العلم الذي آتاه الله إياه، ومنها كما أسلفنا بالذكر ما كان من قصة علي وابن عباس، وكيف علموا أن أقل مدة للحمل هي ستة أشهر تامة لربط الدلالات والإشارات بآيات ذات صلة، وإن لم يأت السياق


(١) ج١٩ ص٤٨.

<<  <   >  >>