للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التجرد والموضوعية وقيدهما في الشريعة]

المقدم: هناك مصطلحات نسمعها يطالبونك بها عندما تناقشهم في بعض قضاياهم، كالتجرد والموضوعية في الطرح العلمي، فهل هم يتقيدون بهذا؟ الشيخ: هذا كما سبق، فالحقيقة أن مفهومهم للتجرد مفهوم خاطئ.

ومسألة التجرد إنما تصح في جانبين: الأول: في الأمور العلمية البحتة، سواء أكانت تطبيقية أم نظرية، فالأمور العلمية البحتة التي تتعلق بدنيا الناس لا بد لأي باحث يريد أن يصل فيها إلى الحقيقة من أن يتجرد من أي رأي سابق أو تعصب.

المقدم: كأن يدرس ظاهرة معينة من ظواهر المجتمع.

الشيخ: أي نعم.

المقدم: ويعرف مقياسها ونسبة النتيجة في هذا الأمر، فهنا لا بد له من أن يتجرد.

الشيخ: نعم، فإذا كان إنسان يريد أن يصل إلى مدى جنوح التغير في أخلاق معينة؛ فينبغي له ألا يتبنى نتيجة سابقة بناءً على خلفياته السابقة حتى يدرس ويحصي ويمارس العملية من خلال الميدان، فيصل إلى نتيجة، فهذا التجرد فيه هو الأصل.

الجانب الثاني: التجرد ممن لا يملك الحق، كإنسان ليس عنده دين، أو دينه غير صحيح، كدين وثني أو دين كتابي محرف، فهذا من الطبيعي أن يحتاج إلى التجرد؛ لأن الأسس التي انبنى عليها دينه، أو القناعات الموجودة في بيئته غير شرعية ولا عقلية، فيحتاج إلى أن يتجرد.

ولكن لا يسوغ للمسلم أن يتجرد عن الحقيقة الشرعية الثابتة؛ لأن معنى هذا التنصل من الحق، وأحياناً يكون ذلك ردة.

فلا يسعني -مثلاً- أن أتجرد في مسألة من حكم الله بكفره، مثل أبي جهل وأبي لهب أليسا كافرين مشركين؟ المقدم: بلى.

الشيخ: وأتت النصوص القطعية بذلك؟ المقدم: نعم.

الشيخ: لا يسع باحثاً أن يقول: أنا سأبحث الآن عبر كتب التاريخ، وعبر النصوص، وعبر أقوال الأدباء والشعراء حتى أصل إلى نتيجة أن أبا جهل كافراً أم لا؟ لأن هذا تجرد عن الحق الذي تقرر في الثوابت.

نعود فنقول: الثوابت -سواء أكانت عقدية أم علمية أم أخلاقية- لا يسع المسلم أن يتجرد عنها؛ لأن التجرد خروج من الحق، والخروج من الحق بهذه الصورة قد يكون ردة، فهو خطير.

فمن هنا كان التجرد في الموضوعات العلمية القابلة للبحث، أما الحق فلا يسع المسلم التجرد منه.

إذاً: دعواهم التجرد معكوسة، فهم الآن باسم التجرد العلمي يشككون في ثوابت الدين، وباسم التجرد أحياناً يجورون على أهل الحق، وباسم التجرد أحياناً يروجون الباطل، في حين أنهم إذا أتوا إلى كثير من الثوابت زعزعونها، خاصة في القضايا الحساسة، مثل قضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقضايا المرأة، ففي هذه القضايا لا يتجردون من الهوى، بل يتجردون من الحق تجرداً واضحاً بيناً في ثوابت الدين التي يعرفونها في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعني طوائف منهم ممن يعلمون نعرف أنهم يتعمدون، والدليل على هذا أنهم يحرفون النصوص عن دلالاتها.

المقدم: لذلك تجد بعض دراساتهم الاجتماعية، أو الاستبانات التي توزع، أو الاستفتاءات غير متجردة؛ لأنها تريد من المشارك أن يجيب بجواب محدد يخدم الهدف الذي رسموه.

الشيخ: هذا يعتبر تقصيراً، وأحياناً ينشأ عن عدم خبرة في صياغة الأسئلة أو غيرها.

المقدم: وأحياناً يكون عن هوى.

الشيخ: قد يكون عن هوى.

<<  <  ج: ص:  >  >>