للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد باعد بين هذه العلوم وبين ما كان يرجى لها من نهوض، أن كتب دراستها قد امتزجت بدراسات فلسفية، نأت بها عن تقدير الفن الأدبى، وآلت الكتابة فيها إلى عبارات موجزة مركزة، يسودها الغموض، وتحتاج إلى الشروح والحواشى، واعتمد مؤلفوها على أمثلة تطبيقية، بعيدة عن روح الفن، ولا أثر للبلاغة فيها. هذا فضلا عن الحاجة إلى مراجعة ما قرره العلماء من قبل، ووضعوه كأنه قواعد ثابتة، فهو في حاجة إلى التصحيح والتقويم من جديد، لخطئه في بعض الأحيان.

ولا أريد أن أطيل في بيان ما عليه علوم البلاغة الحالية، من قصور، وجفاف، مما يحتاج إلى جهود متضافرة في دأب، لإنقاذ هذه العلوم، والأخذ بيدها، حتى تعود دراستها فنية أدبية، فتقوم بدورها في إمداد النقد بالقواعد الصالحة، التى تدرس أسباب الجمال المودع في الجملة، وليس الشعور بالنقص في علوم البلاغة حديثا، بل قد شعر القدماء أنفسهم به، فقالوا إنها علوم لم تنضج بعد.

أما صلة هذه العلوم بالنقد الأدبى، فهى من علوم الأدب الاثنى عشر، التى تحدث عنها القدماء، ومن الخير أن نتبسط قليلا في الحديث عن هذه العلوم، لنرى مدى اعتماد النقد الأدبى عليها.

فمن تلك العلوم ما يعود إلى دراسة الكلمة المنفردة حينا، من حيث مادتها، وهو ما دعوه علم اللغة، وحينا من حيث انتساب بعض الكلمات إلى بعض بالأصلية والفرعية، وسموا ذلك علم الاشتقاق، وحينا آخر من حيث صورة الكلمة وهيئتها مما يدرس في علم الصرف.

ومن تلك العلوم ما يعود إلى الجملة، من حيث أداؤها للمعنى الأصلى، ويعنى بذلك علم النحو، أو من حيث إنها تفيد بنظمها معانى أخرى غير منطوق بها، كالمعانى التى تستفيدها من تقديم الكلمة حينا، أو تعريفها حينا، إلى غير ذلك مما يبحث عنه علم المعانى، أو من حيث إن الجملة تؤدى معناها بطريق الحقيقة، أو مستعينة بالخيال، وهو ما يبحث عنه علم البيان، ويلحقون بهذين العلمين علم البديع، الذى يعمد إلى التأثير في النفس، من حيث الصناعة اللفظية أو المعنوية.

ومن تلك العلوم ما يعود إلى الشعر، فيبحث فيه من حيث وزنه، وذلك علم العروض، أو من حيث قوافيه، وما يعتورها من الصحة والسقم، وهو علم القوافى.

كل هذه العلوم التى ذكرناها تدرس المفرد، أو الجملة والجملتين، أما النظر

<<  <   >  >>