إلى النص النثرى برمته، وإلى القصيدة كلها، فقد وضع له الأقدمون علمين هما علم الشعر، وعلم النثر.
وقل من كتب من العلماء في هذين العلمين. ولعلنا نستطيع أن ندخل في علم النثر دراسة الأساليب وألوانها، وما يجب أن يكون هناك من صلة بين الأسلوب والموضوع، وندخل فيه كذلك دراسة خصائص كل فن من فنونه، فندرس المقالة، والقصة، والرواية، والرسالة، والخطبة، مبينين ميزة كل لون من هذه الألوان، لا من الناحية اللفظية فحسب، ولكن من الناحية المعنوية كذلك، فنرسم منهج كل نوع في تناول معانيه.
ونستطيع أن ندخل في علم الشعر تنوع بحوره، ومناسبة كل بحر لعاطفة خاصة، وموضوع خاص، وندخل فيه أيضا حديثا عن القافية ووحدتها أو تعددها، وأثرها الموسيقى، وحديثا عن ألوان الشعر، من عاطفى، وروائى، وقصصى، وما يمتاز به كل لون من خصائص وسمات، مع العناية التامة بناحية المعانى وطرق تناولها، كما ندرس كذلك معنى العاطفة وأنواعها، وألوان الخيال، وقيمة الحقائق في النصوص الأدبية. وقد ألم القدماء ببعض هذه النواحى ولكنهم لم يوفوها حقها من البحث والتحليل.
ولم ينس القدماء أن الأدب يعتمد على المعرفة، وأن الأديب محتاج إلى أن يلم بخلاصة وافية لمختلف الثقافات، فذكروا من بين علوم الأدب، علم المحاضرات، يريدون ما
يعبرون عنه، بأن على الأديب أن يأخذ من كل فن بطرف، وهذه المعارف هى التى يتكئ عليها الأديب في تصوير شعوره بالجمال أو بالقبح، ولذا ترى الأديب في حاجة إلى علم النفس، والتاريخ، والاجتماع، مثلا عند ما يضع رواية تمثيلية، يحلل فيها نفوس الشخصيات، أو يصف عصرا من عصور التاريخ، أو يتناول مشكلة من مشاكل الاجتماع، وهو محتاج إلى تلك العلوم وغيرها، عند ما يضع قصة، أو أقصوصة، أو عند ما يضمن إنتاجه حقيقة من حقائق الحياة.
وهنا يجدر بنا أن نبين أن الشاعر أو الكاتب، قد يوحى إليه شعوره تفسيرا لمظهر من مظاهر الكون يخالف تفسير العلم له، فيوزن الأديب حينئذ بمقدار طبيعة هذا الشعور وصدقه، لا بمقدار ما فيه من الحقائق. خذ مثلا لذلك قول شوقى يناجى النيل:
من أى عهد في القرى تتدفق ... وبأى كف في المدائن تغدق؟!
ومن السماء نزلت، أم فجرت من ... عليا الجنان جداولا تترقرق؟!