النور، ومضى به، فكيف إذا كان الذاهب به هو الله، وفي إضافة النور إليهم، ما يشعر بأنهم كانوا قد اطمأنوا إلى النور، وفرحوا به، فيكون الذهاب به أشد إيلاما وأنكى، وجمع ظلمة، ليشير إلى هذا الظلام المتكاثف، والحلكة المتراكم بعضها فوق بعض، وتأمل بعدئذ هذه الصفات التى خرجوا بها عن أن يكونوا من البشر، بل عن أن يكونوا من الحيوان، ما داموا قد عطلوا مواهبهم ولم ينتفعوا بها، وكان لنسق هذه الصفات على وزن واحد أثر موسيقى مؤثر.
والآيتان التاليتان استمرار في وصف حيرة هؤلاء المنافقين، فمثّلهم القرآن بحال من حصرتهم السماء بصيب، وفي هذه الكلمة ما يوحى بقوة المطر وشدة بطشه، فهو ليس بغيث ينقذ الأرض من ظمئها، ولكنه مطر يصيبها ويؤثر فيها، وفي النص على أنه من السماء، ما يوحى بهذا العلو الشاهق، ينزل منه هذا المطر الدافق، فأى رعب ينبعث في القلب من جرائه، وفي المجيء بكلمة فِيهِ ما يدل على أن هذه الظلمات، والرعد، والبرق، كأنما سكنت هذا الصيب، وكأنما تنزل معه من السماء، وفي إيثار الظلمات جمعا، على المفرد ما سبق أن أشرنا إليه، وفي تنكيرها، وتنكير الرعد، والبرق ما يشير إلى أنها من القوة والإزعاج، إلى درجة لا يستطاع تحديدها، وفي كلمة الأصابع ما يوحى بهذا الذعر، الذى استولى عليهم من شدة الأصوات الرعدية المرعبة، فهم يحاولون إبعاد صوتها عنهم، وكلما زادت شدة الصوت، زادوا من إدخال هذه الأصابع، علها تسد أذانهم، واختيار كلمة يجعلون، وإيثارها على يضعون مثلا، للإشارة إلى أن أصابعهم لطول ما صارت في آذانهم، أصبحت كأنها مركبة معها، أما الوضع فلا
يستفاد منه هذا الثبات والاستمرار، وبرغم أن المعنى على أن كل فرد منهم يضع إصبعا في أذن، لا نستطيع أن نبعد عن أنفسنا هذا الجو الذى خلقه حولنا استخدام الجمع، الموحى بمقدار الهلع الذى أصاب أفئدتهم، لهذا الصوت المنكر، حتى لكأنهم يريدون إبعاده، بوضع كل ما يملكون من أصابع في آذانهم. وجمع الصواعق إيذان بما اصطلح على إزعاجهم من صواعق رهيبة، لا صاعقة فحسب. وكلمة حذر تدل على شدة شعورهم بقرب الموت منهم، وإسناد الإحاطة إلى الله فيه من الجلال والرهبة ما فيه، واختيار كلمة مُحِيطٌ يدل على شمول العذاب لهم، وإحاطته بهم من كافة الأرجاء، فهم لا يستطيعون الإفلات منه أينما ساروا، وفي إيثار كلمة الكافرين على المنافقين، بيان لحقيقة حالهم، وأن النطق باللسان لا يغنى عن الحق شيئا.
تحدثت الآية الكريمة عن هذا الصيب، وأن فيه ظلمات ورعدا وبرقا، وذكرت أن حال المنافقين في خوفهم وهلعهم، كحال السائر في هذا الصيب؛ لاضطراب