حياتهم، وخوفهم أن ينكشف أمرهم، فهم في اضطراب نفسى شديد، وشرحت الآية ما يصيب السائر من الفزع، من جراء الرعد يصم أذنيه، وتحدثت الآية الثانية عما أضمره لهم البرق والظلمات، من إخافة وإرهاب، فقال سبحانه يكاد البرق يخطف أبصارهم، وفي استخدام يَخْطَفُ تصوير بأمر محسوس، يبعث فى النفس خوفا. فكأن يدا تمتد نحو السائر تسلب منه نور عينه، والمجيء بكلما يوحى بهذه اللهفة التى تملأ قلوبهم، والرغبة في الخروج من هذه الظلمات المتكاثفة، فلا يكاد النور يبدد هذه الظلمة قليلا، حتى ينتهزوا الفرصة فيمشوا، وإذا أظلم عليهم قاموا، وفي كلمة عَلى ما يدل على شدة وطأة الظلام عليهم، وفي قامُوا ما يوحى إليك بتكاثف الظلمات حولهم، فلا يكادون يحركون أقدامهم، عند ما تطبق عليهم هذه الظلمات.
وهكذا تستطيع بالقراءة الأدبية أن تصل إلى تصور ما يراد من النص أكمل تصور وأوفاه. وبعد هذه القراءة المتذوقة، تقف لترى مقدار ما في هذا النص، من تلاؤم بين ألفاظه ومعانيه، وتلك هى القراءة الناقدة كما ذكرنا، فنرى الآيات تصف هذا الاضطراب في نفسية هؤلاء المنافقين، وما يظنون أنهم يقومون به من خداعهم لله والمؤمنين، وعنيت الآيات بوصف ضلالهم وخسرانهم، برغم ما في عصرهم من نور، لا يكاد يضيء أمامهم الطريق قليلا، حتى يطبق الظلام مرة ثانية عليهم، لأنهم لم يستعملوا آذانهم، فيما خلقت له، من الاستماع إلى صوت الحق، ولا ألسنتهم في التعبير عنه تعبيرا ينبعث عن قلوبهم، ولا أعينهم في الاهتداء بما ترى، إلى الحق والصواب. ذلك موقفهم من دعوة الحق، أما أنفسهم المضطربة الخائفة، فقد ضربت الآيات لها مثلا: هذا الذى يحيط به الصيب، فيه ظلمات ورعد وبرق، وبهذا كله صورت الآيات من هؤلاء المنافقين، صلتهم بالمجتمع الذى يعيشون فيه، بين مسلمين وكافرين، وموقفهم من النور الذى أضاء عصرهم، وتغلغلت إلى أعماق نفوسهم، فصورت خوفها واضطرابها، وكل جزء من هذه الآيات له قيمته في هذا التصوير، بحيث تستطيع أن تتخيل هؤلاء القوم، وأن تستمع إليهم، وقد التقوا بالمؤمنين، فقالوا لهم: آمنا، ومضوا إلى شياطينهم، فقالوا لهم: إنا معكم، وتتخيلهم وهم يعملون جهدهم، على أن يوقدوا نيران الفتنة، ويسعون في الأرض فسادا، فإذا قيل لهم: لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ، قالوا: إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ، وتستطيع أن تتبين هذا المرض الذى أحاط قلوبهم بأكنة، وخيل إليهم أنهم يستطيعون خداع المؤمنين، بإظهار كلمة الإيمان لهم،