للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«واعلم أن قصة موسى والخضر قد اتخذتها طوائف من أهل النحل الإسلامية أصلا بنوا عليه قواعد موهومة.

فأول ما أسسوا منها أن الخضر لم يكن نبيا وإنما كان عبدا صالحا، وإن العلم الذى أوتيه ليس وحيا ولكنه إلهام، وأن تصرفه الذى تصرفه فى الموجودات أصل لإثبات العلوم الباطنية، وأن الخضر منحه الله البقاء إلى انتهاء مدة الدنيا ليكون مرجعا لتلقى العلوم الباطنية، وأنه يظهر لأهل المراتب العليا من الأولياء فيفيدهم من علمه ما هم أهل لتلقيه.

وبنوا على ذلك أن الإلهام ضرب من ضروب الوحى، وسموه الوحى الإلهامى، وأنه يجيء على لسان ملك الإلهام، وقد فصله الشيخ محى الدين بن العربى فى الباب الخامس والثمانين من كتابه" الفتوحات المكية" وبيّن الفرق بينه وبين وحى الأنبياء بفروق وعلامات ذكرها منثورة فى الأبواب الثالث والسبعين والثامن والستين بعد المائتين. والرابع والستين بعد ثلاثمائة، وجزم بأن هذا الوحى الإلهامى لا يكون مخالفا للشريعة، وأطال فى ذلك، ولا يخلو ما قاله من غموض ورموز.

وقد انتصب علماء الكلام وأصول الفقه لإبطال أن يكون ما يسمى بالإلهام حجة، وعرّفوه بأنه إيقاع شىء فى القلب يثلج له الصدر، وأبطلوا كونه حجة لعدم الثقة بخواطر من ليس معصوما، ولتفاوت مراتب الكشف عندهم، وقد تعرض لها النسفى فى عقائده، وكل ما قاله النسفى فى ذلك حق ولا يقام التشريع على أصول موهومة لا تنضبط» (١).

فكون الخضر ليس نبيا وأجله فى الدنيا محدود بزمن، وإنما هو عبد صالح منحه الله البقاء إلى انتهاء مدة الدنيا ليكون مرجعا لتلقى العلوم الباطنية،


(١) التحرير والتنوير ج ١٦ ص ١٥، ١٦.

<<  <   >  >>