للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رحمه الله تعالى من مقدمته في أصول التفسير، لما فيها من الإفادة والفائدة الشيء الكبير.

فإن الكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث والسمين، والباطل الواضح والحق المبين، والعلم إما نقل مصدّق عن معصوم، وإما قول عليه دليل معلوم، وما سوى ذلك فإما مزيّف مردود، وإما موقوف لا يعلم أنه بهرج ولا منقود.

فمثال ما لا يفيد ولا دليل على الصحيح منه: اختلافهم- المفسرين- في لون كلب أصحاب الكهف، وفي البعض الذي ضرب به موسى من البقرة، وفي مقدار سفينة نوح وما كان خشبها، وفي اسم الغلام الذي قتله الخضر، ونحو ذلك، فهذه الأمور طريق العلم بها النقل، فما كان من هذا منقولا نقلا صحيحا عن النبي صلى الله عليه وسلم، كاسم صاحب موسى أنه الخضر، فهذا معلوم، وما لم يكن كذلك، بل كان مما يؤخذ عن أهل الكتاب- كالمنقول عن كعب، ووهب، ومحمد بن إسحاق، وغيرهم، ممن يأخذ عن أهل الكتاب- فهذا لا يجوز تصديقه ولا تكذيبه إلا بحجة، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه» (١).

وكذلك ما نقل عن بعض التابعين وإن لم يذكر أنه أخذه عن أهل الكتاب، فمتى اختلف التابعون لم يكن بعض أقوالهم حجة على بعض.

ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثره كالمنقول في المغازي والملاحم، ولهذا قال الإمام أحمد: ثلاثة أمور ليس لها إسناد:

التفسير، والملاحم، والمغازي.


(١) فتح الباري: ٥/ ٣٢٣، المسند: ٤/ ١٣٦.

<<  <   >  >>