للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرغم من تباعدها في التعبير. وهذا يؤكد نظام العلاقات في التصوير والتعبير والتأثير، كما يؤكد أيضا وحدة الفكر المجسّد في التصوير، وتبقى في النهاية نفوس الكافرين هي نفوس ميتة، لأنها لم تعمر بالإيمان، فهي أشبه بالأرض البور الجرداء، الخالية من الحياة والنماء يقول الله تعالى في تصوير تلك النفوس: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ، وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً الفتح: ١٢.

فهذا الظنّ السيئ، وتزيينه في قلوبهم، ينبع من قلوب «بور» كأرض بور ميتة لا حياة فيها ولا ثمار، فبين قلوبهم والأرض البور تشابه وصلة، فكلاهما لا حياة فيه، ولا خصب ولا نماء، وكلاهما أيضا يوحي بالهلاك والفناء.

فصورة القلوب البور توحي بأن الإنسان إذا انقطع عن الإيمان بالله، كان ميتا كالأرض البور، وبالمقابل فإنّ الإيمان يجعل الإنسان حيا مثمرا ونافعا يقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الأنفال: ٢٤.

فصورة الحياة ترتبط بالاستجابة لله وللرسول، وهذا المعنى يلحّ عليه القرآن الكريم، ليرسّخه في الأذهان. فالإيمان فيه حياة العقول والقلوب والنفوس، وبدون الإيمان

تكون صورة الموت في العقول والقلوب والنفوس. وبهذا التصوير تترسخ قواعد الفكر الإسلامي، وتتكامل الرؤية الدينية للحياة والإنسان والوجود.

وهكذا لاحظنا في هذا الفصل أن الصورة الفنية تعبّر عن شتّى المعاني الذهنية والحالات النفسية، ضمن نظام العلاقات التصويرية والفكرية والتعبيرية، لتحقيق وحدة التصوير ووحدة التأثير، ووحدة المعاني وانسجامها وتكاملها في بناء رؤية إسلامية لشتى نواحي الحياة.

كما أنّ الصورة القرآنية، تعبّر عن المعاني التي تخدش الحياء بصور كنائية تتلاءم مع سمو التعبير القرآني، كما أنها تستنفد كل الأساليب الفنية الحسية والمتخيلة في الدلالة على المعاني، كما أن الصورة القرآنية، تعبّر عن المعاني الذهنية، وما يصاحبها من مشاعر وحركات وهيئات ونحو ذلك حتى يتكامل تصوير المعنى، وترتسم معالمه ودقائقه في الأذهان.

وهذه المعاني المصورة، متناسقة ومنسجمة، فليس فيها تعارض، لأنها تنطلق من رؤية

<<  <   >  >>