للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفصل الثالث مشاهد الطبيعة]

ثمة علاقة وثيقة بين تصوير مشاهد الطبيعة، وتصوير الموضوعات الأخرى في القرآن الكريم، لأن الأسلوب القرآني، لا يعتمد في السياق على نمط واحد من التصوير، بل يعتمد على التنويع فيه، فينتقل من نمط تصويري إلى آخر، ضمن نظام العلاقات التعبيرية والتصويرية المتفاعلة داخل السياق، لتحقيق الأثر الديني والفني معا.

ويحتلّ تصوير الطبيعة مكانة هامّة في التصوير الفني في القرآن، لأن هذا التصوير مرتبط بعالم المحسوسات أو عالم الشهادة بتعبير القرآن، وهو مجال المعرفة الإنسانية، لأن الحواس تقوم بالتقاط الصور المتفرّقة من مشاهد الطبيعة، وتضعها لدى العقل الإنساني الذي يفسّرها وينظّمها، ويعطي حكما عليها.

لهذا فإن القرآن الكريم حفل بتصوير مشاهد الطبيعة، واتخذها وسيلة للمعرفة الدينية، ووسيلة أيضا للتأثير في النفس، التي تهتزّ بطبيعتها لهذه المشاهد المحسوسة، وتتفاعل معها، وليشبع حاسة الجمال الفطرية في الإنسان أيضا.

ومن أجل تحقيق هذه الأغراض المتعددة، فإن الصورة تضفي على المشاهد الطبيعية الحياة والحركة، حتى تبدو حية شاخصة، مؤثرة في حس الإنسان ووجدانه، فيشعر بالتفاعل معها، لأنه لا يجد فيها مجرد مشاهد جامدة أو صامتة، بل يجدها شخوصا متحركة، مخلوقة لله، ومحكومة بقوانين الله. وبذلك يتم التوافق والانسجام بين الطبيعة والإنسان، لأن كليهما مخلوق لله، وكليهما محكوم بقوانين الله، فلا تعارض بين الطبيعة والإنسان، في التصوير الفني في القرآن، كما هو موجود في بعض الآداب العالمية، وإنما هناك التوافق والانسجام.

<<  <   >  >>