رأينا في الفصول السابقة كيف انتقلت الصورة بالمتلقّي، من المعاني الذهنية الجزئية إلى صورة أكبر، في ضرب الأمثال، لتوضيح الحقائق الدينية الأساسية، ثم انتقلت إلى الصورة المحسوسة، في مشاهد الطبيعة، لتوظيف الإدراك الحسي، في معرفة ما وراء المشاهد المحسوسة، من قدرة إلهية، تجلّت في تصميم الكون وإبداعه، وتنسيق أجزائه.
ثم تنتقل الصورة أيضا من المشاهد المنظورة، إلى الوقائع المعاشة وقت نزول القرآن الكريم، فتقوم بنقل الحدث، وتصويره، واستجاشة المشاعر نحوه، كي يبقى الحدث حيّا شاخصا، بكل ما صاحبه من مشاعر أو عواطف، وتوجيهات دينية.
ولكنّ الصورة لا تعرض الحدث عرضا تاريخيا بتفصيلاته، وإنما تصوّره من خلال التركيز على نقطة فيه، لإبرازها، وإلقاء الأضواء عليها، لاستخلاص القيم الدينية الثابتة من خلالها، وإظهار قدرة الله، وحضوره، في تسيير الأحداث، وفق مشيئته وإرادته، مع إغفال الزمان والمكان وأسماء الأشخاص، لإضفاء سمة الشمول والعموم على تصوير الأحداث والوقائع، حتى تبقى صورة الأحداث حية ومؤثرة، يتفاعل معها المسلم ويستجيب للتوجيهات الدينية الواردة في ثناياها. في كل زمان ومكان.
فالصورة، أعادت الأحداث والوقائع على الذين عاشوها، كي تكون وسيلة تربوية لهم من خلال الأحداث، والتوجيهات الدينية، التي رافقت تصويرها، كما أن الناس الذين لم يعايشوا تلك الأحداث، يستطيعون أن يعيشوا أجواءها، بكل ما فيها من معان ومشاعر وإيحاءات من خلال التصوير لها.