فنحن نرى «معركة بدر» مصورة من بداية خروج الرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه لمواجهة المشركين، مع تجسيم حالات النفوس المتباينة في ساعة الخروج، يقول الله تعالى: كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ، يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ الأنفال: ٥ - ٦.
وتبدأ الصورة بعرض مشهد الخروج حيا شاخصا، بكل ما صاحبه من مشاعر، وكلمة مِنْ بَيْتِكَ توحي بالتجرد لله سبحانه، وترك الدنيا وراء الظهور، كما أنها ترسم مشهد الخروج من نقطة البداية، لاستحضار المشهد بكل إيحاءاته. ويشترك التعبير مع التصوير في إبراز الحقائق الدينية، فنحن نحس أن الآمر بالخروج هو الله، وهذا ما يؤكده إسناد فعل الخروج إلى الله كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ وفي هذا الإسناد دلالة على تسيير الله للأحداث وفق مشيئته، كما أن هذا الخروج هو لله سبحانه.
فهو الآمر به، وتزيد كلمة «الحق» من توضيح غاية الخروج، وبذلك يتّحد في الصورة الحسي والمعنوي فالخروج حسي، والحق معنوي، وتستمر الصورة بعنصريها الحسي والمعنوي في رسم مشهد الخروج لمواجهة المشركين. ثم تجسّم الصورة الحالة النفسية الخائفة لبعض المسلمين في ساعة الخروج، والنفس بطبيعتها تكره الحرب وتنفر منها، وذلك في قوله وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ. وهذه الصورة ترسم حركة بعض المسلمين الحسية والنفسية معا، فهم يساقون سوقا للخروج، ونفوسهم كارهة له.
وهذا التصوير يتسم بالصدق والواقعية، فالنفس تخاف من لمواجهة والحرب، ولكن صاحب العقيدة يتغلب على هذا الشعور.
ويرسم الفعل المضارع حركتهم يُساقُونَ ببنائه للمجهول للتركيز عليهم في التصوير، وهم يتحركون مجبرين مسوقين في المشهد المعروض، ثم راح التصوير يرسم ملامح الوجوه المعبّرة عن يأس النفوس إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ فهم يائسون من نتيجة المعركة، ويرون موتهم فيها، وقد جسّم الشعور اليائس، في نظراتهم الزائغة الدالة على خوفهم واضطرابهم.
فالصورة للحدث، تلمس الجانب الحسي، والجانب النفسي معا، لتحقيق الغرض الديني من التصوير، ثم تجسّم أيضا رغبات النفوس في قوله وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ الأنفال: ٧.