رأينا في الفصل السابق كيف تناولت الصورة الحوادث الواقعة في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، مركّزة على بعض الجوانب فيها، وذلك لإظهار الحقائق الدينية من خلالها.
ولكن الصورة لا تتوقف عند الحوادث الواقعة في زمن نزول القرآن الكريم، وإنما تتجاوز ذلك، للتعبير عن الحوادث الماضية، الممتدة في الزمان والمكان، عبر تاريخ البشرية الطويل، وذلك لإبراز موقف البشرية من دعوة الرسل، وإظهار الحقائق الدينية من خلال التصوير القصصي.
وذلك لأن القصة من أكثر الأساليب الفنية تأثيرا في النفوس، يرى فيها الإنسان، ما يراه في حياته من أحداث، وأشخاص، وصراع، وحوار. فسحرت بذلك النفوس، وأسرت القلوب.
وقد يرجع التشويق في القصة إلى تعدد مشاهدها، وتنوّع حوادثها، وتباين أشخاصها، وطريقتها الفنية في حبك الأحداث، ونموّها، وتصوير شخصياتها من النواحي النفسية والجسمية والسلوكية والفكرية، ونشاط الخيال في ملء فجواتها الفنية بين المشاهد، والمشاركة الوجدانية لبعض الشخصيات، وانفعال القارئ بالمواقف والحوادث حين يتخيل نفسه وسط هذه الأحداث والصراع.
لهذا كانت القصة هي الأسلوب المفضّل لدى الإنسان في القديم والحديث.
والقرآن الكريم يراعي هذا الميل الفطري للإنسان نحو القصة، فيتّخذها وسيلة فنية، لتحقيق أغراضه الدينية.