للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على حافة الهاوية، وتربته رخوة أيضا، وبلمحة خاطفة انهار في نار جهنم.

يقول الزمخشري: «فإن قلت: فما معنى قوله فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ؟ قلت: لما جعل الجرف الهائر مجازا عن الباطل قيل: فانهار به في نار جهنم على معنى فطاح به الباطل في نار جهنم إلّا أنه رشح المجاز فجيء بلفظ الانهيار الذي هو الجرف، وليصور أن المبطل كأنه أسس بنيانا على شفا جرف من أودية جهنم فانهار به ذلك الجرف فهوى في مقرها» «٤».

ثم يصور القرآن أثر هدمه في نفوس بناته المنافقين لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ التوبة: ١١٠.

وبعد هدم الصورة الحسية للنفاق، تبقى الصورة النفسية في الكيد والنفاق والتآمر، حتى تقطع قلوبهم وتمزّقها أيضا، وتلقى في النار، كما انهار بناؤهم في النار.

وتتقابل الصورة الحسية للنفاق، والصورة النفسية عن طريق التماثل والتشابه، لتحذير المسلمين من صور النفاق المحسوسة، والصور الخفية غير المحسوسة.

وهكذا نلاحظ من تصوير الحوادث التي وقفنا عندها، أن الصورة القرآنية في نقل الحوادث والوقائع تهمل ذكر أسماء الأشخاص، وتركّز على تصوير النفوس والطباع، لتجعلها نماذج ماثلة في الأذهان دائما. كما أن الصورة لا تذكر التفصيلات لكل حدث، وإنما تركّز على الحقائق الدينية الثابتة، وتربط الحوادث بقدر الله النافذ كما أنها تجسّم المشاعر الإنسانية تجاه الأحداث، وتلقي الأضواء على خفايا النفوس، وتتخذ من هذا التصوير وسيلة للتوجيه ومعالجة النفوس، وتربية الأمة بالأحداث وصقلها، وإعدادها حتى تكون في النهاية على منهج الله سلوكا وفكرا وتصورا وشعورا.

وبذلك ترتبط الصورة هنا، بالصور القرآنية الأخرى ضمن نظام العلاقات الفكرية والتعبيرية والتصويرية لتحقيق وحدة الرؤية الدينية لكل القضايا، والأحداث في هذه الحياة.


(٤) الكشاف: ٢/ ٢١٥.

<<  <   >  >>