الذي أوجده لحكمة يعلمها. فيشعر بالهيبة تحيط به وهو يقرأ القرآن الكريم، والخوف من الله سبحانه، والإقبال عليه. وقد يختلف حضور هذه الصورة من قارئ إلى قارئ آخر، حسب استجابته لهذا الخطاب القرآني وتفاعله معه. إنّ هذا القرآن الكريم معجز في تعبيره وتصويره. ومعجز في نظام العلاقات والروابط الذي يجمع التعبير والتصوير في سياق متفاعل متحرك، متناسق، ولا يمكن إدراك هذا الإعجاز إلا بنظرة شمولية كلية، تنظر إلى النص القرآني، على أنه وحدة منسجمة متناسقة، وتنظر إلى الصورة الفنية فيه ضمن إطار هذه النظرة الكلية الشاملة، حتى تتسع هذه الصورة لمعانيه الدينية أو الفكر الإسلامي الذي تحمله، ولا يكون ذلك باقتصار الصورة على مفهومها الجزئي ووظيفتها المحدودة المترتبة عليها، وإنما بتوسيع مفهوم الصورة، لتحمل هذا الفكر الناصع الذي يميّز الصورة القرآنية عن غيرها، ومن هنا كانت وظائف الصورة أيضا تقوم على نظام العلاقات، فهناك الوظائف القريبة، والوظائف البعيدة، وكلها تدور حول محور الوظيفة الدينية كما سأبيّن في الفصول القادمة.
ج- الصور المتقابلة:
وهي من الصور السياقية، وقد أفردتها هنا بالحديث، لأنها تشكّل ظاهرة فنية في السياق القرآني.
هذا اللون من الصور كثير في القرآن الكريم، يهدف إلى تحريك الذهن، وتنشيط الخيال، من خلال هذه الصور المتقابلة والمتجاوزة في السياق.
والتقابل بين الصور متنوّع، فقد تكون الصورتان حاضرتين، وقد تكون الصورة ماضية، تقابلها صورة حاضرة. أو العكس.
وتكثر الصور المتقابلة في تصوير النعيم والعذاب يوم القيامة، كما سأبيّن ذلك في تصوير مشاهد القيامة ولكني هنا أكتفي بعرض نماذج لها.
يقول الله تعالى في تصوير العذاب: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ، عامِلَةٌ ناصِبَةٌ، تَصْلى ناراً حامِيَةً، تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ، لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ، لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ ... الغاشية: ١ - ٧.