ويقول في تصوير النعيم في السياق نفسه مباشرة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ، لِسَعْيِها راضِيَةٌ، فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ، لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً ... الغاشية: ٨ - ١١ الآيات.
فالصورتان متقابلتان، متجاورتان في السياق، وهما صورتان حاضرتان للنعيم والعذاب يوم القيامة.
وقد يعرض التقابل بين الصورتين سريعا خاطفا كقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ الشورى: ٢٩.
فصورة البث والانتشار تقابلها صورة الجمع، تعرضان في سرعة خاطفة، على طريقة القرآن الكريم في الإثارة التخيلية، والتأثير الشعوري، حتى يستحضر الذهن هاتين الصورتين الكبيرتين في سياق واحد، وآية واحدة. فيظل الحشر والجمع ملازما لصورة بثّ الخلق وانتشارهم. وقد يكون التقابل في الصورتين مركبا من حالتين في كل صورة منهما كقوله تعالى: أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَفَلا يَسْمَعُونَ، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلا يُبْصِرُونَ السجدة: ٢٦ - ٢٧.
فالتقابل هنا بين المساكن الداثرة بعد الحياة والعمران، والأرض العامرة المنتجة بعد الموت والجدب.
فصورة المساكن الداثرة، تستدعي استحضارها في حالة الحياة والعمران، ثم ما حلّ بها من دمار ثم صورة الأرض العامرة بالحياة، تستدعي استحضار حالتها أيام القحط والجدب، ثم توضع الصورة الأولى بحالتيها في مقابل الصورة الأخرى بحالتيها، لتحقيق الغرض الديني من هذا التقابل. وقد يكون التقابل بين صورة حاضرة، وأخرى ماضية كقوله تعالى:
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ يس: ٧٧، فالنطفة صورة ماضية، تقابلها صورة حاضرة للإنسان المخاصم فالتقابل بين الصورتين، يحرّك الخيال لاستحضار صورة ماضي الإنسان في خلقه وتكوينه، ليضع صورته الماضية، مجاورة لصورته الحاضرة، وهو يخاصم ويعاند ولا يؤمن.
وقد يكون التقابل بين صورة حاضرة في اليوم الآخر، وصورة ماضية في الدنيا، كأصحاب الشمال مثلا في قول الله سبحانه وتعالى: وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ، فِي