سَمُومٍ وَحَمِيمٍ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ، لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ، إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُتْرَفِينَ الواقعة: ٤١ - ٤٥، فصورة العذاب الحاضرة، تقابلها صورة النعيم والترف في الماضي.
ويتضح مما تقدم في هذا الباب، أنّ البلاغة القديمة، كانت بلاغة جزئية شكلية، لا تتجاوز الجملة إلى السياق العام للنص كله، وترتّب على هذه النظرة الجزئية، أن وظائف الصورة، جاءت أيضا عند البلاغيين القدماء، مقصورة على هذا الجزء المحدود، لتوضيحه، وبيانه، وتحسينه أو تقبيحه، أو لإثباته والإقناع به ونحو ذلك، ولم تكن الصورة عندهم، تحمل رؤية للحياة، يبثّها الكاتب عبر صوره.
وحتى الذين كتبوا في إعجاز القرآن، ظلّوا متأثرين باتجاه البلاغة القديمة، فداروا في داخل شواهد قرآنية معينة، يركّزون فيها، على النواحي الجزئية، لبيان ما فيها من جمال وإعجاز. باستثناء الجرجاني الذي حاول أن يخرج عن هذا الإطار الجزئي، ويربط الصورة بالسياق، وكاد الجرجاني أن ينجح في مهمته لولا أنه ظل منشغلا بالشّبه العقلي. وقضية اللفظ والمعنى التي كانت تلح عليه باستمرار وهو يحاول أن ينقلها من الجدلية الثنائية بين اللفظ والمعنى إلى نظرية جديدة تستوعب الاثنين معا.
وهكذا وضعت القواعد البلاغية الصارمة. وطبقت على النماذج التي تتفق مع تلك القواعد الجزئية والعقلية وأهملت كثير من الصور الرائعة، لأنها لا تخضع لتلك القواعد ومقاييسها، فأهملت الصورة القرآنية في كتب النقد والنقاد، ولم يستلهمها النقاد حين وضعوا مقاييسهم للجودة، وكذلك اقتصرت كتب الإعجاز على أنواع محدودة من الصورة كالتشبيه والاستعارة والمجاز، وأهملت الصورة السياقية في تلك الدراسات القديمة.
وفي العصر الحديث، حين توسّع مفهوم الصورة، نجد أن النقاد، أهملوا أيضا الصورة القرآنية فلم يعتمدوا عليها في تنظيراتهم للصورة، وفي وضع مقاييسهم لها، فظلت هذه الصورة المتميزة منسية على الرغم من أن سيد قطب قد لفت الانتباه إليها في الأربعينات من هذا القرن أي قبل أن يبدأ النقاد بدراساتهم حول الصورة الشعرية تنظيرا وتطبيقا.