قلناه عن حضور الصورة المركزية في النص القرآني كله، لأنه كتاب الله، أنزله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشر إلى طريق الرشاد وقد يكون حضورها واضحا مكشوفا، وقد يكون مدركا من خلال تأمل علاقات الصور بعضها ببعض وحضور الصورة المركزية في بداية النص القرآني، وفي خاتمته أيضا، يكاد يكون ظاهرة عامة أيضا، في مطلع السورة وخاتمتها أيضا. فسورة آل عمران مثلا تبدأ بقوله: الم اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ آل عمران: ١ وتختم بقوله: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ آل عمران: ٢٠٠، ثم تبدأ سورة النساء بما ختمت به سورة آل عمران: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ... النساء: ١، وتختم بقوله: وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ النساء: ١٧٦.
وسورة المائدة يرد في آيتها الأولى: إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ ما يُرِيدُ المائدة: ١، وتختم ب لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ المائدة: ١٢٠، لتبدأ سورة الأنعام بما ختمت به سورة المائدة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ ... الأنعام: ١، وتختم بقوله:
وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام: ١٦٥.
وسورة الجاثية تبدأ بقوله: حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ الجاثية: ١، وتختم بقوله: وَلَهُ الْكِبْرِياءُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الجاثية: ٣٧، ثم تبدأ «الأحقاف» بعدها مباشرة من حيث انتهت الجاثية حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ الأحقاف: ١.
كما يلاحظ أنها تعتمد المطلع ذاته الوارد في سورة الجاثية.
وهكذا يمكن أن نتابع هذه الظاهرة في مطالع السور وخواتيمها في تأكيدها على الصورة المركزية والإيحاء بها، لتكون أول ما يستقبله القارئ للنص القرآني، وآخر ما يرسخ في ذهنه بعد نهاية تلاوته، كما هي أيضا في مطالع السور وخواتيمها أيضا.
وبين المطلع والخاتمة، تنساب الصور وتتوزّع، دون أن تبتعد عن الصورة المركزية، فهي حاضرة في التعبير. في أساليب النداء، والضمائر، والأمر والنهي وغير ذلك كما هي حاضرة في التصوير.
لذلك يمكن أن نعتبرها هي الصورة الكبرى التي يشكلها النص القرآني كله، ضمن نظام من العلاقات اللفظية والمعنوية، بحيث أن قارئ القرآن الكريم، يشعر بخصوصية الخطاب القرآني وأنه صادر من الخالق إلى المخلوق، حتى يظلّ المخلوق ضعيفا محتاجا إلى خالقه