القرآنية بناء موحّد له قاعدة وأركان، وعلاقات، وذروة.
فالصور الجزئية في السياق، تتفاعل وتنمو، لتكوين الصورة الكلية، التي تتميز بملامحها الواضحة وإذا تشابهت أحيانا. فإن هذا التشابه يرجع إلى طبيعة المعاني الدينية التي تصوّرها في أصولها العامّة، ولكنها لا تتماثل في طرق التعبير والتصوير، والتفصيلات.
والصورة المركزية، المقصود بها «الألوهية»«٣٦»، وهذه الصورة تعتبر أساس الصور كلها في القرآن الكريم كما أن وظيفة الصورة القرآنية، هي الوصول إلى الصورة المركزية، لإبرازها، وبيان آثارها في الكون والحياة والإنسان، عبر نظام العلاقات والروابط بين الصور، بحيث يؤدي المحدود إلى المطلق، والجزئي إلى الكلي والمشهود إلى غير المشهود، والمرئي إلى الغيبي، فهذه الصورة تمثل نقطة البداية لانبثاق الصور عنها، صور الكون والحياة والإنسان بأشكالها وأنواعها المختلفة، كما تمثل أيضا نقطة العودة والرجوع إليها ضمن حركتين ملحوظتين في التعبير والتصوير، حركة البثّ والتوزّع والانتشار في أنساق الصور، وحركة التجمّع ثانية في أنساق تصويرية والعودة إلى نقطة البداية التي انبثقت منها صور الحياة المختلفة.
وهذه الصورة تشكّل حضورا قويا في تركيب الصورة وبنائها، وفي حركتها ونموها، وفي تحقيق وظائفها أيضا وهذا الحضور القوي والملحوظ لها، ينسجم مع خصوصية النص القرآني، وتميّزه عن باقي النصوص الأخرى، لأنه كتاب منزل من عند الله سبحانه، فهو المتكلم فيه، والآمر الناهي ... ولهذا فإن النص القرآني كلّه مرتبط بالصورة المركزية تعبيرا وتصويرا وخطابا وتأثيرا، فهي المحور الذي تدور من حوله الصور القرآنية كلها، في حركة تشبه حركة الأفلاك حول محورها في السماء ضمن
نظام القوانين والروابط بين الأفلاك بعضها ببعض، كذلك ضمن نظام العلاقات التعبيرية والتصويرية والفكرية في القرآن الكريم أيضا.
فأول سورة في القرآن «الفاتحة» تبدأ بالصورة المركزية الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الفاتحة: ١ وآخر سورة فيه «الناس» تبدأ بها أيضا قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ .. الناس: ١، وهذا يؤكد ما
(٣٦) ومصطلح الصورة المركزية فني بحت، مع ملاحظة تجريد الألوهية عن الشبيه والمثيل. لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.