ويلاحظ أن إطار الصورة يعتمد على الإثارة والغموض منذ اللحظة الأولى للتصوير، ليتناسب مع الصورة الكلية في خفائها، وإثارتها، ثم تجيء قصة موسى، لتوضح عاقبة المكذبين بها، ثم تجيء الصور الكونية لتوحي بالقوة والقدرة على بعث الأحياء بعد الإماتة، ثم تجيء صور الآخرة. معتمدة على ألفاظ ذات جرس قوي شديد للإيحاء بشدة أهوال القيامة مثل «الطامّة» وتختم السورة بتصوير تفاهة الدنيا إذا قورنت بالآخرة، كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها النازعات: ٤٦.
وسورة «الحاقة» تدور صورتها الكلية حول القيامة أيضا، فتبدأ بصفة من صفاتها المؤكدة على ثبوتها ووقوعها، فهي متحققة الوقوع، وجرس «الحاقة» بوقعه الشديد يوحي بثبوتها وأحقيتها. ثم بعد هذا الإيحاء بالثبوت والوقوع. تبدأ بصور المكذبين بها، ثم مشاهد القيامة وصورها، منذ النفخة بالصور، ثم مشهد الناجي، ومشهد الهالك، في ذلك اليوم المخيف ...
وهكذا تتلاحم الصور الجزئية في داخل السياق، وتتفاعل ضمن شبكة من العلاقات للإيحاء بالصورة الكلية أو بمعنى آخر، إن قمة البناء التصويري في السورة الواحدة يتجلى في الصورة الكلية التي هي بدورها مرتبطة بصورة أكبر وهي الصورة المركزية كما سأوضح بعد قليل.
وقد لا يوحي اسم السورة، بصورتها الكلية. مثل سورة «العنكبوت» التي تدور صورتها الكلية حول «الإيمان والفتنة» وتعتمد السورة في بناء صورتها الكلية على مجموعة من الصور مثل تصوير قصص الأنبياء والتركيز فيها على تصوير ألوان الفتن والعقبات في طريق الإيمان، ثم تصوير القوى الكافرة المترصّدة لأهل الإيمان بصورة العنكبوت في ضعفه وهزاله على الرغم من خيوطه الممتدة والمتشابكة ولكنها ضعيفة واهنة، لا تصمد أمام المواجهة، ثم تصوير الحق القائم في صور كونية محسوسة في السماء والأرض، وربط الحقّ الذي جاءت به دعوة الرسل، للتأكيد على وحدة المصدر وهو الله في الكون والحياة والرسالات ... فالحق في الكون المنظور، هو الحق الذي جاء به الأنبياء أيضا.
ثم يصوّر تناقض المشركين، فهم يعترفون بالله خالقا، ولكنهم يتخذون معه آلهة أخرى ...
وهكذا يمكن أن ندرس الصورة الكلية في كل سورة قرآنية، للتأكيد على أن الصورة