فقوة فرعون الغاشمة، تقابلها قوة الله القادرة على كل شيء، من خلال حماية موسى الطفل الرضيع، وتربيته في قصر فرعون حتى يكون هلاك فرعون على يديه. على الرغم من حذره واحتياطه، وسنّه القوانين الجائرة في قتل الذكور، واستحياء الإناث، ولكن قدر الله نافذ لا محالة. فقوة الله تتدخل في كل مشاهد القصة لتحسم الأمر لصالح موسى، ثم في نهاية التصوير القصصي، يكون التدخّل الإلهي واضحا، ويتمثل في إغراق فرعون وجنوده، ونجاة موسى والمؤمنين معه. كذلك تتدخل القوة الإلهية
في قصة قارون لتخسف به وبداره الأرض، كذلك نلمح القوة القادرة في المشاهد الكونية المعروضة، كما نلمحها في مشاهد القيامة المصورة وكذلك في مصارع الغابرين ... وكأن هذه الصور الجزئية بما فيها من أحداث ومشاهد وأشخاص تتفاعل داخل السياق، وتنمو لتشكل صورة كلية للسورة كلها تدور حول قوة الله وحمايته للمؤمنين، فيشعر المتلقي بأن الأمان لا يكون إلا بجوار كنف الله، وأن القوة الحقيقية في هذا الوجود هي قوته.
وممّا يؤكد ما نقوله عن هذه الصورة الكلية المرسومة في السورة كلها، حذف مشهد السحرة من القصة فيها والتركيز على مشهد إغراق فرعون وجنوده بعد التكذيب مباشرة.
حتى يقترن في ذهن المتلقي الإهلاك بعد التكذيب مباشرة، زيادة في توضيح قوة الله الفاعلة في الحياة والكون، والتي هي مدار الصورة الكلية وقد تتشابه الصور الكلية في سور القرآن الكريم، ولكنها لا تتماثل، جريا على طريقة القرآن التصويرية في تناول قضايا العقيدة والإيمان، بطرق شتى، زيادة في توضيحها، وترسيخها في الأذهان، وشدة تأثيرها في المتلقي من خلال تلوين الطرق التعبيرية والتصويرية، واللمسات الفنية الموحية، التي يقتضيها السياق فنحن نجد سورا عدة في القرآن الكريم، ترسم صورا كلية لليوم الآخر، ولكنّ الصورة الكلية على الرغم من تناولها لهذا الموضوع الواحد، فإنها، لا تتماثل في تصويره، والطرق التعبيرية المؤدية إلى تكوين هذه الصورة الكلية.
فالصورة الكلية في سورة «النازعات» هي الآخرة، ومن هذه الصورة الكلية، تتفرّع بقية الصور الجزئية عبر الأنساق التعبيرية المختلفة، ولكنها مرتبطة بعلاقات متينة، تشدها إلى الصورة الكلية، وقد تقترب الصور منها حينا، وتبتعد حينا آخر، ولكنها تبقى مشدودة إليها ضمن نظام العلاقات التعبيرية التي يعتمدها القرآن الكريم في التصوير والتأثير.