صورة إنسانية أيضا خاضعة مستسلمة لله، في حياتها وموتها، وكدّها وكدحها، فالخضوع لله سبحانه، يتمثل في الخلق والتكوين، كما يتمثل أيضا في النهاية والمصير. وبذلك يتم رسم الصورة الكلية من هذه الصور الجزئية المكوّنة لها عبر تفاعل الصور في السياق القرآني المعجز، لإبراز هذه الصورة الكلية، المرتبطة أيضا بالصورة المركزية.
وفي سورة «الحجر» نلاحظ أن الصورة الكلية فيها هي إبراز طبيعة المكذبين، ودوافع تكذيبهم، وبيان مصيرهم. وكل الصور الواردة في هذه السورة، ترتبط بهذه الصورة الكلية وتتفاعل معها في داخل السياق التعبيري، لإبرازها، ورسم معالمها، وعلى الرغم من تنوّع الصور في السياق، فإنها ترجع في النهاية إلى الصورة الكلية، لتصبّ فيها إيحاءاتها، وهذا ما نراه في المشاهد القصصية، والمشاهد الكونية، ومشاهد القيامة، وفي التوجيهات التي تسبق وتعقب التعبير التصويري.
ومطلع السورة يبدأ بالإنذار المخيف للمكذبين ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ليزيد الجوّ رهبة وتهويلا، ثم يبدأ بعرض مشاهد الكون في السماء وما فيها من بروج، والأرض الممدودة والجبال الراسية، والنبات الموزون، والرياح اللواقح، والماء والحياة والموت، والحشر للجميع.
وكأنّ هذه المشاهد الكونية المصورة بمنزلة أدلة وبراهين، تنقض مزاعم المكذبين، وتردّ عليهم من خلال هذه الصور الحسية التي يرونها، ويتأثرون بها، ويبنون حياتهم عليها.
ثم يلي ذلك قصة آدم وإبليس لإبراز عدو الإنسان الأول الذي يقف من وراء تكذيب المكذبين، فهم أتباعه وجنوده.
ثم يعرض القرآن لمحات سريعة لقصص إبراهيم ولوط وشعيب وصالح، ويركّز التعبير على مصير المكذبين في تلك القصص الماضية، وفي هذه القصص المعروضة، إيحاء بمصير المشركين العرب كمصير أولئك الأقوام المكذبين في التاريخ، والذين كان العرب يعرفون أخبارهم، ويمرون بديارهم المدمّرة.
وتدور الصورة الكلية في سورة «القصص» حول قوة الله وحمايته للمؤمنين، وإهلاكه الكافرين.
وتبرز الصورة الكلية بكل ملامحها حية شاخصة، من خلال تصوير الأحداث والأشخاص.