للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تظهر عجائب قدرة الله في مخلوقاته، وتلفت انتباه الإنسان إلى أنه ليس وحده في هذا الكون، فهناك مخلوقات غيره، يراها ولها خصائصها وتجمعاتها ولغاتها، وكلها منقادة لله، وطائعة له.

فهناك أيضا عالم النحل العجيب، في نظامه وخضوعه، وإنتاجه للشراب اللذيذ على الرغم من جسمه الهزيل. يقول تعالى: وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ، ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ النحل: ٦٨ - ٦٩.

وقد تعتمد الصورة على مشاهد الطبيعة في ضرب الأمثال ضرب المثل بالذباب على عجز الإنسان وبالكلب اللاهث، على الإنسان الذي يضيق بحمل الأمانة، فيلهث حين يلتزم بها، ويلهث أيضا حين ينسلخ منها، كما تقدم معنا في فصل (الأمثال القرآنية).

وهناك إشارة إلى الجراد والقمّل في سياق تعذيب بعض الأمم الماضية بهما. كما أنّ بعض أسماء السور القرآنية مستمدة من الطبيعة المرئية مثل البقرة، والأنعام، والنمل، والنحل، والعنكبوت، عليهما السّلام والفيل. وهذه الأسماء تستدعي صورها الذهنية بمجرد ذكرها والنطق بها.

وهكذا رأينا حشدا من المشاهد الطبيعية الصامتة والصائتة في هذا الفصل، وكلّها معروضة للدلالة على الألوهية، والوحدانية، وآثار الربوبية في الكون والحياة والإنسان.

كما أن المشاهد المصورة، مترابطة ومتفاعلة في تحقيق الغرض الديني، فالسماء فيها النجوم، والقمر، والشمس، والكواكب، وتتناسق هذه المشاهد فيما بينها في السياق القرآني، وتعرض ضمن نظام العلاقات بين الصور كما رأينا في ترابط صورة الشمس والقمر، ثم مشاهد الأرض، وما فيها من نبات وزروع وثمار وأشجار مترابطة ومتناسقة، ومشاهد الأرض مرتبطة بغيث السماء دائما فكما أنها بحاجة إلى السماء ماديا، لقيام الحياة عليها، كذلك هي بحاجة إلى وحي السماء، معنويا ...

وهكذا تتناسق المشاهد فيما بينها، وتترابط ضمن نظام العلاقات التصويرية والتعبيرية والفكرية لأداء الحقائق الدينية.

<<  <   >  >>