هذه الطيور، وسائر الحيوانات الأخرى، عوالم وأمم، لها عاداتها ومجتمعاتها، ولغاتها، وخصائصها وقوانينها الخاصة بها، مما يدلّ على قدرة الله، في التنويع في مخلوقاته.
يقول تعالى في الإشارة إلى ذلك وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ الأنعام: ٣٨.
وكلّ هذه العوالم أو المشاهد الطبيعية الصامتة والصائتة، تسبّح لله سبحانه وتعالى في مشهد كوني خاشع، يقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ الحج: ١٨.
وهذه صورة ضخمة، توحي بالخضوع والعبودية لهذه المخلوقات لخالقها، فهو الذي وضع لها سننها لتسير عليها، وتخضع لها، وترسم الصورة مساحات واسعة لإطارها الممتد في السماوات والأرض، لتطبع في خيال الإنسان هذه المساحة الضخمة الممتدة لهذه المشاهد الصامتة والصائتة للطبيعة، وكلّها في حالة خشوع وتسبيح للخالق سبحانه، ويبرز بعض الناس خارجين عن إطار الصورة، حين لا ينقادون لله، فيظهرون شاذين في هذا الكون العريض، بين هذه المخلوقات الهائلة. وتجمع الصورة في داخل الإطار المنظور وغير المنظور، لإثبات عبودية الكون بما فيه لله سبحانه وتعالى.
وأحيانا تكشف لنا الصورة شيئا من عالم الطير، وتعرض على لسان «الهدهد» مثلا حقائق العقيدة الصحيحة، بعد أن قام بجولة استطلاعية، فاكتشف قوما يسجدون للشمس، ولا يسجدون لله، يقول الله تعالى على لسان الهدهد، وهو في حضرة سليمان: وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ ... النمل: ٢٤.
كما أن الصورة تلتقط لنا هذه اللقطة من عالم النمل العجيب في دابة وعمله وحركته ضمن مجموعات متعاونة، يقول الله تعالى على لسان النملة تخاطب مجتمع النمل: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ، فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها وَقالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ النمل: ١٨ - ١٩.
فهذه الصور لعوالم النمل والطيور وغيرها، وما فيها من تجمعات، ولغات للتفاهم بينها،