للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القطيع بأشكاله وألوانه، وأحجامه في حركة وانقياد للراعي، عبر مساحات من الطبيعة زاهية هي أيضا بألوان الزروع والثمار والأشجار، فيكتمل جمال تصوير الطبيعة، بتصوير هذه القطعان، لأنها مشاهد مترابطة في الطبيعة، كما هي مترابطة في التصوير.

كذلك هناك الخيل والبغال والحمير مستعملة للركوب والزينة أيضا، فعنصر الجمال مقصود في تصوير الطبيعة، إلى جانب تصوير الضروريات للإنسان. «وهذه اللفتة، لها قيمتها في بيان نظرة القرآن، ونظرة الإسلام للحياة، فالجمال، عنصر أصيل في هذه النظرة، وليست النعمة هي مجرد تلبية الضرورات من طعام وشراب وركوب بل تلبية الأشواق الزائدة على الضرورات، تلبية حاسة الجمال، ووجدان الفرح والشعور الإنساني المرتفع على ميل الحيوان وحاجة الحيوان» «١٩».

ولا تتوقف الصورة عند إمتاع العين من المناظر الحسية المعروضة بل تطلق الخيال كي يتصور مخلوقات لم تذكر هنا، ولكن أشير إليها بقوله وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ فتتحقق متعة الخيال من التصوير، كما تحققت متعة العين من تأمل المناظر الحسية المعروضة.

وترسم هذه المشاهد بألوانها المختلفة، للتأكيد على عنصر الجمال من ناحية، والقدرة الإلهية المبدعة من ناحية أخرى يقول الله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ فاطر: ٢٨.

وتصوير هذه المشاهد بألوانها، يترابط مع تصوير مشاهد الثمار بألوانها، والجبال بألوانها أيضا. كما تقدم سابقا.

وهذه المشاهد على الأرض، يقابلها مشهد الطيور تسبح في السماء في أسراب، أو فرادى، بألوانها الجذّابة، وحركتها المنتظمة، وهي تبسط أجنحتها بخفة ورشاقة، وتقبضهما كذلك.

يقول الله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ الملك: ١٩.

وهذا المشهد للطير مشهد ممتع للأبصار حين تتملاه، وتتابعه فوقها في السماء، ومثير للخيال الذي يستحضر أشكالها وألوانها وأعدادها في حالة الطيران، وهي تبسط أجنحتها، وتقبضها بخفة دون أن تسقط، لأن الله سبحانه، يمسكها بقدرته التي وفّرت لها السنن


(١٩) في ظلال القرآن: ٤/ ٢١٦١.

<<  <   >  >>