للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على صدور كتابه نصف قرن تقريبا، وفي هذه الفترة، لم يصدر كتاب آخر حول الصورة القرآنية «٨٦».

ويلاحظ أن النقاد المعاصرين، تجاهلوا الصورة القرآنية في تنظيرهم للصورة، ولم يأخذوا بعين الاعتبار ظواهر التصوير الفني في القرآن الكريم، وما فيه من إيقاع موسيقي، وتشخيص، وتجسيم، لتقريب الحقائق الدينية.

إنّ الصورة القرآنية صورة متميزة مؤثرة، وقد كشف القدماء جزءا بسيطا من جمالها دون أن يحيطوا بها. وكان من المفروض أن يتوقف المعاصرون عندها، حتى تكتمل دراساتهم حول الصورة الفنية في نقدنا المعاصر، ولكنهم لم يفعلوا ذلك، فجاءت دراساتهم للصورة قاصرة على الشعر وغير مكتملة.

إن القرآن الكريم قد استنفد الطاقات التصويرية للغة العربية في التعبير عن أغراضه الدينية، فجاءت صوره حية متحركة شاخصة، كما جاءت متنوّعة مشحونة بالمشاعر والانفعالات.

وقد استطاع سيد قطب في كتابه (التصوير) أن يسبق النقاد المعاصرين إلى دراسة الصورة الفنية عموما، ودراسة الصورة القرآنية خصوصا. إذا عرفنا أنه أصدر كتابه عام ١٩٤٥ م، وكان قبل ذلك يكتب مقالاته في مجلة المقتطف عن التصوير الفني في القرآن قبل إصدار كتابه بست سنوات «٨٧».

والصورة عنده- كما يلاحظ في تحليله للآيات القرآنية- هي كل تقديم حسي للمعنى، سواء أكان هذا التقديم الحسي يعتمد الأنواع البلاغية القديمة أم يتجاوزها إلى غيرها من العبارات الحقيقية التي تثير مخيلة المتلقي وإن لم تكن قائمة على المجاز.

بهذا المفهوم، وجد سيد قطب أن أسلوب القرآن كلّه تصويري ما عدا آيات التشريع، وهذا الأسلوب التصويري هو سرّ إعجازه، فقد كان هذا الأسلوب المصوّر، مؤثرا في المؤمنين والكافرين على السواء «٨٨».


(٨٦) أصدر الدكتور عبد القادر حسين كتابه «القرآن والصورة البيانية» في هذه الفترة، ولكنه قصر الصورة على الأبحاث البلاغية القديمة. دون أن يستفيد من الدراسات الحديثة للصورة، فهو يكرّر أقوال البلاغيين القدماء حول الصورة البلاغية بأنواعها المعروفة.
(٨٧) نظرية التصوير الفني عند سيد قطب: ص ١٢٣ - ١٢٥.
(٨٨) التصوير الفني في القرآن: سيد قطب. ص ١٧.

<<  <   >  >>