«وللألفاظ كما للعبارات ظلال خاصة، يلحظها الحس البصير، حينما يوجّه إليها انتباهه، وحينما يستدعي صورة مدلولها الحسية»«٥٣».
فقوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ الأعراف: ١٧٥، فكلمة انسلخ بدلالتها الحسية، تلقي بظلها في الخيال، فترسم صورة الإنسان الذي ينسلخ عن آيات الله بعد أن لازمته والتصقت به، التصاق الجلد، فهو يجد مشقة في عملية الانسلاخ منها وهذا ما توحي به ظلال الصورة الحسية لعملية انسلاخ الجلد.
كما أنّ «اللون» أيضا يساعد على رسم الصورة، إلى جانب ما ذكرناه، لأن اللون له أثره في النفس الإنسانية فترتاح إليه، أو تنفر منه، يقول تعالى في وصف البقرة: إِنَّها
واختلاف الألوان دليل على قدرة الله، وبديع صنعه، قال تعالى: وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ النحل: ١٣، وقوله أيضا: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ الروم: ٢٢.
وتبرز الصورة، وحدة الأصل مع التنويع في الألوان، لإثبات القدرة الإلهية، كما نرى في خلق الإنسان، وكذلك في النبات، يقول تعالى: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ، وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فاطر: ٢٧ - ٢٨.
فاختلاف الألوان ملحوظ في الإنسان والحيوان والنبات والجماد مع رجوع كلّ منها إلى أصل واحد. كما نجد عناية الصورة برسم الألوان المتدرّجة، وتغيّرها، كقوله تعالى: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ الزمر: ٢١.
وفي تدرّج الألوان، وامتزاج بعضها ببعض ألوان جديدة، فألوان الزروع المختلفة تتدرّج في النهاية إلى اللون الأصفر، وهو علامة على نهايتها، كما أن ألوان البشر تذبل وتنتهي في ساعات الاحتضار إلى اللون نفسه إيذانا بانتهاء حياة الإنسان، كما كان الصفار نهاية النبات، فاللون هنا يحقّق غرضا فنيا في تناسقه مع الألوان الأخرى في تدرّجها، وغرضا