ويمكن القول إن كل سورة من سور القرآن، تشكّل صورة كلية لها معالمها، وفروعها في بقية السورة بحيث يمكن إرجاع كلّ الصور المفردة والسياقية إليها، كما بيّنا في فصل أنواع الصورة القرآنية.
فالصورة الكلية في سورة الواقعة هي اليوم الآخر، وقد بدأت الصورة الكلية واضحة منذ المطلع بذكر صفة من صفاتها، ثم تبدأ هذه الصورة الكلية بالتفرّع إلى صور جزئية عن يوم القيامة وما فيه من أهوال وتمييز بين نماذج البشر، السابقين، وأصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، مع صور حسية مفصّلة لكل نموذج حتى يرى نهايته مرسومة فيها، وكأن الدنيا هي الماضية، والآخرة هي الواقعة المشاهدة وتأتي الصور الأخرى كدلائل على وقوع البعث بعد الموت، من خلال عرض صور تدل على قدرة الله، في خلق الإنسان، وإنبات الزرع، وإنزال الماء العذب، وإخراج النار من الشجر الأخضر، وكلها صور تعرض كدلائل على قدرة الله على البعث بعد الإماتة، ثم يأتي مشهد الاحتضار، حين تبلغ الروح الحلقوم لتصوير عجز الإنسان، أمام القدرة الإلهية، ويقف جميع الناس عاجزين عن ردّ الروح إليه بعد خروجها إلى بارئها. ثم تختم السورة بالتسبيح، بعد تأكيد خبر يوم القيامة، وبذلك يرتبط الختام بالمطلع، كما ترتبط الصور كلّها به، بحيث تشكّل مجموع الصور «صورة كلية» لليوم الآخر، صورة مميزة المعالم والمشاهد. في موضوعها، ومعانيها، وإيقاعها، وألوانها.
إنّ هذه الوحدة الفنية في التصوير والتعبير، سرّ من أسرار الإعجاز في القرآن، لأنّ هذا القرآن لم ينزل دفعة واحدة على رسول الله، بل نزل منجّما، على امتداد ثلاث وعشرين سنة تقريبا ونجد هذه الوحدة الفنية للصورة على الرغم من اختلاف زمان النزول ومكانه، فهذا دليل على أن هذا القرآن الكريم من عند الله يضاف إلى الدلائل الأخرى.
ثم إننا إذا جمعنا الآيات التي هي موضوع واحد، وقد ذكرت في سور متعددة لرأينا أيضا أنّها تكوّن صورة واحدة، متكاملة، تتسم بالوحدة، وهذه أيضا من دلائل الإعجاز تضاف إلى الصورة الكلية التامة في السورة الواحدة «٥٨».
ثم إنّ هذه الصورة الكلية في كل سورة، مشدودة إلى الصورة المركزية في القرآن كلّه وهي صورة قدرة الخالق، التي هي مصدر كلّ شيء، وإليها يرجع كلّ شيء، وبذلك تتحقّق
(٥٨) الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم: د. محمد محمود حجازي. ص ٥٤.