أمّا إذا عبّر عنه بلوازمه الخارجية وعرف لا على سبيل الكمال فتحصل الحالة المذكورة التي هي كالدغدغة النفسانية، فلأجل هذا كان التعبير عن المعاني بالعبارات المجازية ألذ من التعبير عنها بالألفاظ الحقيقية» «١٣».
فالإنسان يتأثّر بالصورة، ويتفاعل معها، لأنها تقديم حسي للمعنى، ولأنّ المعنى لا يدرج دفعة واحدة بل يتمّ إدراكه بتدرّج وبطء، وهذا ما يثير الإنسان، ويدفعه إلى تأمل الصورة مرات ومرات.
فيظلّ مشدودا إليها، متنقلا من التعبير المجازي إلى المعاني المجردة، ومن الاستعارة إلى أصلها أو من المشبه به إلى المشبه، ولا يتم ذلك إلا بشيء من الاستدلال الذي يقوّي الذهن وينشطه لمعرفة علاقات المشابهة أو التناسب بين أطراف الصورة من ناحية وبين الصورة ووظائفها من ناحية أخرى.
ولكي يحقّق المتلقي ذلك، لا بدّ أن يبذل الجهد، حتى تنكشف له طبيعة الصورة ووظيفتها، فإذا تمّ له كشف ذلك تحقّق التأثير فيه.
وتتميّز الصورة القرآنية عن غيرها من الصور الأدبية، أنها تثير الشعور الديني إلى جانب الشعور الإنساني، فهي تهزّ أعماق الإنسان لتوقظه على حقائق الحياة والوجود، والإنسان، وتثيره من خلال المشاهد المعروضة والصور المشخّصة، والنماذج الإنسانية المرسومة، والأحداث الواقعة، والقصص الماضية، ومشاهد القيامة والطبيعة، حتى يبلغ التأثر الوجداني مداه الواسع والعميق، فتتفتح منافذ النفس لتستقبل هذا التأثير عبر الفكر والوجدان، والعقل والشعور معا.
فإثارة المتلقي بحقائق الحياة مما تنفرد به الصورة القرآنية، لأنها ليست صورة شكلية، خالية من المضمون، أو أنها تسعى إلى التأثير العابر بل إنها توضّح للإنسان حقائق أساسية في حياته. لهذا كان للصورة القرآنية هذا التأثير في نفوس المؤمنين والكافرين على السواء، لأنها صورة فنية تهدف إلى غرض ديني.
وقد أحسّ العرب بقوة تأثير القرآن في النفوس، واستحواذه على القلوب، من خلال
(١٣) المحصول في علم الأصول: ١/ ٢٥١ - ٢٥٢، وفي المزهر للسيوطي: ١/ ٣٦١ والصورة الفنية في التراث النقدي والبلاغي: ص ٣٦١.