للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

والمسلمين بمصر نشأت عن تجبر المتصرفين الأقباط» (١)، والمتصرفون الذين يعنيهم آدم متز هم نصارى أوكل إليهم المسلمون رعاية شؤون أهل دينهم من النصارى، فأساؤوا التصرف، وكانوا سبباً للوقيعة بين المسلمين والنصارى في «أكثر الفتن».

ويمضي متز ليقول بتعجب بالغ بأن المسلمين نالهم الأذى من بعض هؤلاء المسؤولين من أهل الذمة: «من الأمور التي نعجب لها كثرة عدد العمال [أي المسؤولين] والمتصرفين غير المسلمين في الدولة الإسلامية، فكان النصارى هم الذين يحكمون المسلمين في بلاد الإسلام، والشكوى من تحكيم أهل الذمة في أبشار المسلمين وأموالهم شكوى قديمة ... وكانت الحركات التي يقصد بها مقاومة النصارى موجهة أولاً إلى محاربة تسلط أهل الذمة على المسلمين» (٢).

وحتى نستفيد من إخفاقات التعايش في تاريخنا فإنه ينبغي علينا الوقوف بصدق مع أسباب تلك المشكلات ومسبباتها؛ فإن التاريخ كثيراً ما يعيد نفسه، والعاقل يتعظ من غيره، ولا يقبل أن يكون عبرة لغيره.

عندما اجتاح التتار بلاد المسلمين سنة ٦٥٨هـ فعل هولاكو الأفاعيل ببغداد وحلب وغيرها من مدائن المسلمين، ثم دخلوا دمشق فعاثوا فيها، وسلموها إلى أمير منهم نصراني يدعى (إبل سيان)، فركن إليه نصارى دمشق، وأحدثوا خيانة جرت إلى ويلات يذكرها ابن كثير في تاريخه: «فاجتمع به أساقفتهم وقسوسهم، فعظمهم جداً، وزار كنائسهم، فصارت لهم دولة وصولة بسببه، وذهب طائفة من النصارى إلى هولاكو وأخذوا معهم هدايا وتحفاً، وقدموا من عنده ومعهم أمان فرمان من جهته، ودخلوا من باب توما، ومعهم صليب منصوب يحملونه على رؤوس الناس، هم ينادون بشعارهم، ويقولون: ظهر الدين الصحيح؛ دين المسيح، ويذمون دين الإسلام وأهله، ومعهم أواني فيها خمر، لا يمرون على باب مسجد إلا رشوا عنده خمراً، وقماقم ملآنة خمراً يرشون منها على وجوه الناس وثيابهم، ويأمرون كل من يجتازون به في الأزقة والأسواق أن يقوم لصليبهم، ودخلوا من درب الحجر، فوقفوا عند رباط الشيخ أبي البيان، ورشوا عنده خمراً، وكذلك على باب مسجد درب الحجر الصغير والكبير .. فوقف خطيبهم إلى دكة دكان في عطفة السوق، فمدح دين النصارى، وذم دين الإسلام وأهله، ثم دخلوا بعد ذلك إلى كنيسة مريم وكانت عامرة، ولكن هذا سبب خرابها»، ثم يحكي ابن كثير عن شكوى المسلمين للوالي (إبل سيان) ما فعله النصارى، فأهانهم وطردهم.

وما هي إلا شهور معدودات حتى انتصر المسلمون في عين جالوت، فجرى منهم ما لا يحسن ذكره من الانتقام «وفرح المؤمنون بنصر الله فرحاً شديداً، وأيد الله الإسلام وأهله تأييداً، وكبت الله النصارى واليهود والمنافقين، وظهر دين الله وهم كارهون، فتبادر عند ذلك المسلمون إلى كنيسة النصارى التي خرج منها الصليب، فانتهبوا ما فيها، وأحرقوها، وألقوا النار فيما حولها، فاحترق دور كثيرة للنصارى،


(١) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، آدم متز (١/ ١١٢).
(٢) المصدر السابق (١/ ١٠٥ - ١٠٦).

<<  <   >  >>