للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقترب كوكبة من فرسان العرب من إحدى القرى؛ حتى تفتح لها الأبواب وتتلقاها بالترحاب .. كانت غزوة تمدين، ولم تكن غزوة فتح وقهر .. ولم يتخل أبناء تلك الحضارة زمناً عن فضيلة حرية الضمير، وهي الدعامة التي تقوم عليها كل عظمة حقة للشعوب، فقبلوا في المدن التي ملكوها كنائس النصارى وبِيَع اليهود، ولم يخشَ المسجد معابد الأديان التي سبقته، فعرف لها حقها، واستقر إلى جانبها، غير حاسد لها، ولا راغب في السيادة عليها". (١)

ويقول المؤرخ الإنجليزي السير توماس أرنولد في كتابه "الدعوة إلى الإسلام": "لقد عامل المسلمون الظافرون العرب المسيحيين بتسامح عظيم منذ القرن الأول للهجرة، واستمر هذا التسامح في القرون المتعاقبة، ونستطيع أن نحكم بحق أن القبائل المسيحية التي اعتنقت الإسلام قد اعتنقته عن اختيار وإرادة حرة، وإن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات المسلمين لشاهد على هذا التسامح ". (٢)

وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه: "العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها؛ سمح لهم جميعاً دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى، أو ليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال؟ ومتى؟ ". (٣)

إن السبب الحقيقي لانتشار الإسلام في الأرض هو تسامحه مع الآخرين، وليس عنفه المزعوم، لقد قرأت الأمم الحق في تسامح المسلمين، وعرفته في طيب معشرهم وحسن تعاملهم، خلافاً لما يشيعه الآخرون ظلماً وزوراً، يقول المؤرخ غوستاف لوبون: "إن القوة لم تكن عاملاً في انتشار القرآن، فقد ترك العرب


(١) فن الحكم في الإسلام، مصطفى أبو زيد فهمي (٣٨٧).
(٢) الدعوة إلى الإسلام (٥١).
(٣) شمس العرب تسطع على الغرب (٣٦٤).

<<  <   >  >>