للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مفهوم العبادة في الإسلام]

خلق الله الإنسان على هذه الأرض لغاية شريفة، تسمو بوجوده عن سائر المخلوقات التي تعيش على الأرض للأكل والشرب والجنس، هذه الغاية هي عبادة الله تبارك وتعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون - ما أريد منهم من رزقٍ وما أريد أن يطعمون - إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين} (الذاريات: ٥٦ - ٥٨).

لكن مفهوم العبادة في الإسلام ليس محصوراً في صلوات وتمتمات وطقوس تمارس في أوقات محددة، بل هو أوسع من ذلك بكثير، إنه منهج للحياة الإنسانية برُمَّتها {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين - لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} (الأنعام: ١٦٢ - ١٦٣)، فلا يعرف المسلم لحظة يقضيها بعيداً عن عبادة مولاه.

ويرفض مفهوم الإسلام للعبادة وجود وسطاء بين الله وعباده، فليس في الإسلام كهنوت أو رجال دين، فالمسلم يصلي وحده وفي جماعة المسلمين، في المسجد أو في البيت أو في أي مكان طاهر تدركه فيه صلاة؛ من غير حاجة إلى وسيط أو بناء محدد، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة؛ فليصل)). (١)

وإذا ما قصر المسلم في حق الله أو طمع في خير عنده؛ فإنه يطلب من الله بُغيته من غير وسيط يعترف له، ولا شفيع يرجو شفاعته {والذين إذا فعلوا فاحشةً أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون - أولئك جزاؤهم مغفرةٌ من ربهم وجناتٌ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين} (آل عمران: ١٣٥ - ١٣٦).

وأيضاً يرفض الإسلام قصر الدين على العلاقة بين العبد وربه فحسب، ويعتبر هذا قصوراً يقعد بالدين عن الغاية التي أنزل الله لأجلها الكتب وبعث لتحقيقها الأنبياء، وهي إصلاح الحياة الإنسانية، والقيام بواجب الاستخلاف في أرض الله


(١) أخرجه البخاري ح (٣٣٥)، ومسلم ح (٥٢١).

<<  <   >  >>